الخميس، أغسطس 09، 2012

من يومياتي في ألمانيا ( برلين 11)


أشارت لي امرأة عجوز أن أقترب منها، ثم قالت لي: أنت تريد أن تذهب إلى تورمشتراسة أليس كذلك ؟ قلت لها أجل، فقالت: لا تقلق تعالى واركب معي القطار فأنا ذاهبة في نفس الطريق. شكرتها كثيرا ثم بدأت أسألها هل حقا هذا الشارع يقع في منطقة بها جالية عربية؟ فأجابتني بأن هذه المنطقة كلها عرب، فاستبشرت خيرا واطمأننت، ولما اقتربت محطتي، قالت لي السيدة العجوز: عليك أن تنزل هنا ثم تخرج من الباب الأيمن وتسأل عن الشارع فستجد حتما من يدلك. فعلت ما أشارت به على، ووجدتني أسير في شارع ملئ بمحلات الفاكهة، والمطاعم، والكافيهات معظم لافتاتها مكتوبة بحروف عربية، أحسست أني قد عدت إلى القاهرة وأنني أسير في أحد شوارع المهندسين أو الدقي. أحسست بدفئ رهيب. توقفت أمام محل لبيع الفاكهة، وسألت أحد العاملين فيه عن مسجد قريب من هنا؟ فأجابني بلهجة شامية " لبنانية أو سورية" قائلا: مسجد بيت الحكمة لا يبعد كثيرا عن هنا، فقط ادخل يمينا ثم يسارا فستجده أمامك.
دب النشاط في جسدي وأحسست بلوغ هدفي، فأسرعت خطواتي؛ حتى وجدت لافتة تعلو باب صغيرمفتوحة إحدى ضلفه، ومكتوب عليها بالألمانية " Haus der Weisheit "   بالعربية "بيت الحكمة".

 يامسهل، هكذا قلت في نفسي بعد أن أخذت نفسا عميقا ودخلت من الباب. أول ما شاهدت كان رجلان يجلسان علي منضدة في نهاية ممر صغير ألقيت عليهم بالتحية ثم سألتهم هل هذا مسجد؟ وما كادوا يردون على حتى صدح صوت المؤذن بأذان العشاء. سألني أحدهما من أين أنت؟ فأجبته من مصر فنظر لي الآخر بنظرة لم أفهم معناها؛ ولكنها أقلقتني، فقلت لهما: جئت هنا فقط لأصلي، ثم دخلت، فتوضأت، ووقفت خلف الإمام.
 قرأ الإمام الفاتحة، ثم بدأ في تلاوة سورة الإسراء، ولم يكد يقرأ في الآية الرابعة حتى تلعثم فرددته، ثم واصل قرائته فأخطأ في التلاوة للمرة الثانية فرددته، وتكرر الخطاء في الركعة الثانية، وكان دائما الرد من نصيبي. انتهت الصلاة فاستدار الرجل بوجه نحونا وبدأ يعتذر من تكرار الخطاء معللا بأن القرءان يتفلت منه، وأنه ينبغي عليه مدارسته ثم سأل من الذي ردني؟ فأشاروا إلى فقلت له أنا. فقال الرجل: بارك الله فيك هل تحفظ القرآن فقلت له: أجل، فبفضل الله أحفظة كاملا، ثم وجدتها فرصة، فواصلت الحديث قائلا: كما أنني أحفظة بالقراءات السبع، فأنا أدرس في معهد للقراءات بجانب دراستي الجامعية، فسألني في أي جامعة تدرس؟ فقلت له في جامعة الأزهر الشريف.
التفت الجميع نحوي، وتغيرت نظرات الرجلين اللذين قابلتهما عند الممر، وتبادلنا أطراف الحديث الذي كان في مجمله يدور حول الأزهر وحول القرآن. قلت لهم موجها كلامي للإمام الذي ينادونه بـ " أبو أسام " أو بـ أبوأسامة" هل تعلم يا شيخنا أن سورة الإسراء لها اسم آخر هو " بني اسرائيل" وأن هذه السورة هي أكثر السور حديثا عن القرآن ذاته وهي الأكثر شرحا لكيفية التعامل معه، ثم أوردت له الأيات التي تددل على صدق ما أقول مثل:-
(إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا) ، (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ
قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا )

سألني الشيخ في أي الأماكن أعيش في برلين؟ فقلت له إنني أسكن في مدينة  جوتنجن وليس لي مكان هنا أسكن فيه، وأخبرته أنني جئت هنا اليوم لزيارة برلين وفي الغد سأسافر إلى هامبورج، وهنا تدخل أحد الرجلين قائلا:- وأين ستبيت هذه الليلة؟! قلت له: لا أعلم !  فقال موجها كلامه للشيخ: اسمح له أن يبيت ليلته هذه هنا! فقال الشيخ موجها كلامه لي: ولكن سامحني فبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر أصبح هناك تشديدا كبيراعلى المساجد لذا.. ومن دون أن يكمل فهمت من لذا هذه أشياءا كثيره لم أرد أن أسمعها إلا أنني فوجئت بقول الرجل يكمل:  لذا اسمح لي أن أرى جواز سفرك فقلت له على الفور: حاضر، وأعطيته الجواز، فنظر فيه ثم نادى: " ياشباب مين ممكن يعتكف مع محمد للصبح". فأجاب أحدهم وكان شابا وسيما " أنا ". قال له أبو أسام بارك الله فيك يا حسان ثم أقترب منه وسمعته يقول له: أكرم محمد واصنع له في الغد فطورا ثم أيده على حسابي. شكرت الرجل كثيرا ثم استأذنت من حسان كي أصلي الصلوات التي فاتتني.
انتهيت من صلاتي الظهر والعصر ثم هممت لأصلي المغرب فجائني حسان وقال لي: هذا صديقي ماجد من سوريا يريد أن يعزمنا على العشاء فهل توافق؟ قلت له طبعا موافق ولكن انتظرني أصلي المغرب وسآتي معكما...
خرجنا من المسجد - حسان وماجد وأنا- متجهين نحو مطعم مصري لنأكل عشوة مصرية، هكذا أخبرني ماجد. عرفت بعد ذلك أن حسان من لبنان جاء مع والديه اللذان يعملان في برلين وأن ماجد سوري و يدرس في جامعة برلين. دخلنا المطعم المصري وطلب ماجد نصف فرخة لكل واحد منا، وما أن شممت رائحة الشواء حتى أخذني الحنين... وحشتيني يا مصر.

ونلتقي غدا
محمد شحاتة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق