اليوم ليس مثل كل الأيام.. هو يوم مختلف عن سابقيه.. فهل لأني لم أرجع إلي البيت مباشرة كعادتي بعد انتهاء عملي اليومي؟؟! وقادتني قدماي إلي هذا المكان حيث طوحت بحقيبتي، و خلعت حذائي، ورميت بنفسي علي النجيلة، وقد فتحت زراعي كعصفور فتح جناحيه مستمتعا بالطيران سابحا في سماوات فضائيه لا نهاية ولا حدود ولا عوائق لها..... كلا بل إنه يوم مثل كل الأيام .. فيه كانت الوجوه هي الوجوه. والأشخاص هم الأشخاص. وحتي الطلبات التي يطلوبنها مني كانت هي هي... قهوة للأستاذ علي، وشاي بالحليب للأستاذ محمد، وشاي بدون حليب للأستاذه نجلاء، ونسكافيه للأنسه هدي و و و... حتي التعليقات والأسئلة كانت هي هي... "فين السكر يابني؟ "والله ما تتأخرشي عليا"... "وانت إيه؟!" "جايب لي الشاي بارد، طب اشربه انت بقي"!! و و و و و و....
لا لا هو يوم مختلف؛ بدليل أني جئت إلي هنا.. نعم هو يوم بلا شك مختلف بكل المقاييس عن سابقيه.. فأنا لم آت إلي هذا المكان من قبل... ولم أسمع خرير الماء من قبل... ولم أشاهد ملاحقة الأمواج لبعضها البعض من قبل... لم أسمع زقزقه العصافير بهذا الجمال من قبل.. ياااه... ماأجملك يا نهر النيل..... وما أروعك يا هدوء ... وما أزهلك يا راحة البال...
يجب أن أكون صادقا أكثر مع نفسي..اليوم بحق يوم مختلف عن سابقيه.. فأنا ما كنت لآتي الي هنا لولا ما حدث اليوم... نعم ما كان لي أن أهرب إلي هنا لولا تلك الواقعه التي هي بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير.... مالهم ومالي؟؟! ألا تكفيهم معاناتي اليومية كي أحصل علي قوت لي ولأطفالي! ألا يكفيهم تحكم رؤسائي وتلككهم وتربصهم بي؟؟ ما عساهم سيقدمون لي؟ وما عساهم سيغيرون؟؟ إنهم مثل سابقيهم لا يظهرون إلا عند احتياجهم لأصواتنا... لقد سئمتهم، وسئمت طريقتهم في الدعاية والإعلان عن أنفسهم...
إن هذا الرجل الذي أعطاني ورقة الإعلان عن مرشحه و قادني إلي الخيمة المنصوبة علي قارعة الطريق؛ حيث قام أخرون بإلقاء محاضرة كلها وعود يصعب بل ويستحيل تحقيقها... وهذه اللافتات التي امتدت علي نواصي الشوارع، وعلقت علي جدران المباني، ووصلت بين الأعمدة، وربطت بين الأشجار... وهذه الملصقات اللانهائية التي لا يخلو منها حائط لمبني، أو لافتة لإشارة، أوحتي صندوق للقمامة.. كل هذا أدي إلي هربي إلي هنا....
لقد قررت ألا أعطي صوتي إلا لمن يستحقه.. فإن لم أجد فلسوف أبطله..
( من يوميات عامل بوفيه)
والله المستعان
محمد شحاته
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق