الثلاثاء، أغسطس 19، 2014

الأخلاق في القرآن 11



تابع 2- خلق غض البصر والاحتشام
 
يقول المولى عز وجل في سورة النور الآيتين 30-31 (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُون * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
وبالبحث في التفاسير من حيث الترتيب الزمني لها، وجدت أنه كلما اقترب المفسر من العهد الأول لنزول الوحي كلما جاء تفسيره لهاتين الآيتين تفسيرا بسيطا ليس به غلو، وكلما ابتعد الزمن بالمفسر وكانت أخلاق مجتمعه سيئة، كلما ازدادت القيود في تفسيره وكثر معها الغلو، فها هو الطبري[1] الذي عاش في القرن الثالث الهجرى، في عصر اتسم بالمحافظة على الأخلاق والبعد عن الرذائل يفسر قوله تعالى (يغضوا من أبصارهم ) تفسيرا عاما لا تكليف فيه فيقول:  يكفوا من نظرهم إلى ما يشتهون النظر إليه، مما قد نهاههم الله عن النظر إليه[2] ، وأفهم من تفسيره هذا أن النظر إلى الوجه والكفين مباح  شريطة أن يكون بغير شهوة، وقد أكد الطبري هذا المعنى بما أورده من آراء متعددة لكثير من الصحابة والتابعين عند تفسيره لقوله تعالى (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) عندما ذكر أن المراد بما ظهر منها  هو الوجه والكفين[3]. ومثل ما ذكره الطبري ذكره أيضا الماوردي[4] الذي عاش في القرن الخامس الهجري[5] والواحدي[6] الذي عاش معه في نفس القرن[7]،   ولما كان زمان القرطبي (القرن السابع الهجري)[8] غير زمان الطبري وغير زمان الماوردي والواحدي؛ زمان انتشر فيه الفساد، وكثرت فيه رذائل الأخلاق، انعكست تلك الأخلاق على ما أورده القرطبي من آراء في تفسيره لهذه الأية، فقد أورد رأيا (غريبا)  يحرم على الرجل أن يديم النظر إلى أقرب الأقربين إليه؛ إلى ابنته وأمه وأخته، وفيما يلى نص كلامه:
 "ولقد كره الشعبي أن يديم الرجل النظر إلى ابنته أو أمه أو أخته، وزمانه خير من زماننا هذا، وحرام على الرجل أن ينظر إلى ذات محرم نظر شهوة يرددها"[9] بل وقد ذهب القرطبي إلى أبعد من هذا فحرم على الرجال دخول الحمامات العامة لما فيها من كشف للعورة، وانعدام الغيرة، وفيما يلى نص كلامه: "أما دخول الحمام في هذه الأزمان، فحرام على أهل الفضل والدين؛ لغلبة الجهل على الناس واستسهالهم إذا توسطوا الحمام رمىّ مآزرهم، حتى يرى الرجل البهي ذو الشيبة قائما منتصبا وسط الحمام وخارجه باديا عن عورته، ضاما بين فخديه، ولا أحد يغير عليه. هذا أمر بين الرجال، فكيف بالنساء، لا سيما بالديار المصرية، إذ حماماتهم خالية من المظاهر التى هي عن أعين الناس سواتر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم"[10]


[1]  توفي سنة 310هـ
[2]  الطبرى، ابن جرير، الجزء 17، ص 254
[3] المصدر السابق، ص 257
[4] الماوردي، النكت والعيون، الجزء 4، ص89
[5] توفي سنة 450 هـ
[6] الواحدي،  الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، ص 762
[7] توفي سنة 468 هـ
[8] توفي سنة 671هـ
[9] القرطبي، الجزء 15، ص 202
[10]  المصدر السابق، ص 206

هناك تعليقان (2):

  1. الإحتشام سمة الإنسان النبيل و النبل رسالة ديننا الحنيف . لا تغب عنا كثيرا يا محمد ففي مدونتك المتعة و الإفادة

    ردحذف
    الردود
    1. شكرا أخي عبد الرحيم لمرورك الكريم، كلماتك القليلة الموجزة، صحيحة مائة بالمائة. وأشكرك على إطرائك الجميل، حيا الله المغرب وأهله!

      حذف