الأربعاء، أغسطس 06، 2014

الأخلاق في القرآن 7



تابع 1- خلق طهارة النفس
 
أما الآية الثالثة التى تحدثت عن طهارة النفس فجاءت في سورة ق قال تعالى (وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب) فما القلب المنيب؟
عرف القرطبي "القلب المنيب" بأنه القلب المقبل على الطاعة، المخلص. وذكر احتمالية أن يكون القلب المنيب هو نفسه القلب السليم[1]، أما الطبري ووافقة الزمخشرى في الكشاف[2] والبغوي في معالم التنزيل[3] وسيد قطب في الظلال[4] على أن القلب المنيب هو القلب التائب من الذنوب، الراجع مما يكرهه الله إلى ما يرضيه[5]، واستحضر الماوردي في النكت والعيون ثلاثة أوجه للقلب المنيب جاءت على  النحو التالي من الترتيب : المخلص، المقبل على الله، التائب[6]
إذن فنحن الآن أمام خٌلق فردي أمرنا الله تعالى بالتحلى به، إنه خلق طهارة النفس، قد أفلح من زكاها، وقد أفلح من كان قلبه سليما، ويا طوبى لمن كان له قلب تائب!
ترى هل لطهارة النفس أهمية على الفرد وعلى المجتمع؟
أما على الفرد فإن المتأمل في نصوص القرآن الكريم يجد أن أمر الله تعالى للفرد بالتحلي بتزكية النفس مقدم على تعلم القرآن، وعلى تعلم الحكمة، ومقدم كذلك على تعلم العلوم التى يجهلها[7]، قال تعالى: (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ)[8]، وقال عز من قائل: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ)[9]، وأرى أن الفرد إذا ما طهَّر نفسه من الرذائل، فقد أبعد نفسه عن صراعات مع الآخرين قد تنشب بسبب الحقد والحسد والبغضاء والكراهية، فتقل عزيمته، ويعاق تقدمه، فيتأخر تفوقه، وقد تقضي على آماله وعلى آمال غيره. وأنه إذا ما طهَّر نفسه من الرذائل فقد ضمن لنفسه راحة بال، وقلَّة سؤال، وضمن لنفسه مكانا في الجنة:
أخرج الإمام أحمد في مسنده عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَال: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ "فَطَلَعَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ تَنْطِفُ لِحْيَتُهُ مِنْ وُضُوئِهِ، قَدْ تَعَلَّقَ نَعْلَيْهِ فِي يَدِهِ الشِّمَالِ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مِثْلَ الْمَرَّةِ الْأُولَى، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ أَيْضًا، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ الْأُولَى، فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبِعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ: إِنِّي لَاحَيْتُ أَبِي، فَأَقْسَمْتُ أَنْ لَا أَدْخُلَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُؤْوِيَنِي إِلَيْكَ حَتَّى تَمْضِيَ فَعَلْتَ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ أَنَسٌ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَاتَ مَعَهُ تِلْكَ اللَّيَالِيَ الثَّلَاثَ، فَلَمْ يَرَهُ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا تَعَارَّ وَتَقَلَّبَ عَلَى فِرَاشِهِ ذَكَرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَكَبَّرَ، حَتَّى يَقُومَ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَسْمَعْهُ يَقُولُ إِلَّا خَيْرًا، فَلَمَّا مَضَتِ الثَّلَاثُ لَيَالٍ، وَكِدْتُ أَنْ أَحْتَقِرَ عَمَلَهُ، قُلْتُ يَا عَبْدَ اللَّهِ: إِنِّي لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي غَضَبٌ وَلَا هَجْرٌ ثَمَّ، وَلَكِنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَكَ: ثَلَاثَ مِرَارٍ يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَطَلَعْتَ أَنْتَ الثَّلَاثَ مِرَارٍ، فَأَرَدْتُ أَنْ آوِيَ إِلَيْكَ لِأَنْظُرَ مَا عَمَلُكَ فَأَقْتَدِيَ بِهِ، فَلَمْ أَرَكَ تَعْمَلُ كَثِيرَ عَمَلٍ، فَمَا الَّذِي بَلَغَ بِكَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ، قَالَ: فَلَمَّا وَلَّيْتُ دَعَانِي فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ، غَيْرَ أَنِّي لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ غِشًّا، وَلَا أَحْسُدُ أَحَدًا عَلَى خَيْرٍ أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: هَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ، وَهِيَ الَّتِي لَا نُطِيق.  فاللهم طهر نفوسنا، وزكاها، أنت خير من زكاها!



[1] الجامع لأحكام القرأن، القرطبي، ج 19 ، ص 455
[2] تفسير الكشاف، ص 1047
[3] معالم التنزيل، البغوي، ج 7، ص 362
[4] في ظلال القران، سيد قطب، سورة ق
[5] تفسير الطبري، ج21،ص 453
[6] النكت والعيون، الماوردي، ج5،ص 354
[8]  سورة البقرة الآية 151
[9] سورة آل عمران الآية 164

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق