السبت، أغسطس 23، 2014

الأخلاق في القرآن 13



تابع: أخلاق الفرد في القرآن
2- خلق غض البصر والاحتشام
كان هذا فيما يتعلق بالأمر القرآني بغض البصر، وما ذكره المفسرون، معتدلهم ومتشددهم، وما اهتديت إليه من فهم لمراد الله. ولقد عودنا القرآن الكريم في معظم أوامره ونواهيه، أن يذكر تعليلا لما يأمر به أو لما ينهى عنه؛ ففي الأمر بطهارة النفس ذكر العلة وهي الفلاح (قد أفلح من زكاها)[1]، وفي الأمر بإقامة الصلاة ذكر العلة وهي النهي عن الفحشاء والمنكر (وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر)[2]، وفي الأمر بالصيام ذكر العلة وهي التقوى (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)[3]، وفي الأمر بالزكاة ذكر العلة وهي طهارة الأموال وإنماؤها (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها)[4]، وعندما حرم الله سبحانه وتعالى الطيبات على اليهود علل ذلك بسبب ظلمهم (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا)[5]، وهكذا في معظم ما أمر الله به وما نهى عنه[6].
 وها هو القرآن الكريم يذكر لنا العلة من غض البصر وحفظ الفرج، فيقول عز من قائل: (ذلك أزكى لهم)، فما معنى أزكى، وما المقصود من ورائها؟ ولماذا ذكر الله هذا التعليل مع الرجال (ذلك أزكى لهم) ولم يذكره مع النساء، فلم يقل: (ذلك أزكى لهن)؟
ولم أجد في ما وقعت عليه يدي من تفاسير جوابا على السؤال الثاني، فزاد فضولى، وازدادت حيرتي، وتذكرت الدراسة الحديثة التى قام بها علماء ألمان على رجال ذكروا أنهم يشاهدون الإباحيات، تلك الدراسة التى أثبتت أن من يشاهد الإباحيات من الرجال تتضائل ذاكرتهم يوما بعد يوم، فهل تتضائل هذه الذاكرة عند الرجال دون النساء؟! هكذا تساءلت!
ووجدتنى أعود إلى التفاسير قديمها وحديثها، أبحث عن معنى "أزكي"، علّنى أجد جوابا يقضى على فضولى، وينهي على حيرتي، فبدأت كعادتى بأقدم كتب التفاسير؛ تفسير الطبري، فوجدته وقد فسر قوله تعالى (ذلك أزكى لهم) بأنه أطهر لهم عند الله وأفضل[7] . وقريب منه قال البغوي في معالم التنزيل "خير لهم وأطهر"[8]. وبمثله قال ابن الجوزي " خير وأفضل"[9]،  ورأى القرطبي أن غض البصر وحفظ الفرج أطهر في الدين، وأبعد من دنس الآثام[10]، وبمثله قال بن كثير في تفسيره[11]، وسيد قطب في الظلال[12]، والدكتور أسعد محمود حومد في أيسر التفاسير[13] ، إلا أن تفسير أزكي بأطهر وأفضل وخير، لم يوقف فضولى ولم ينهى على حيرتي؛ لأنه لم يوضح إلى أي مدى هو أطهر، وإلى أي مدى هو أفضل، وكيف يكون خير، ولماذا؟! وواصلت البحث، فانتهى بي الأمر إلى تفسير السدي الكبير، فوجدته وقد أضاف معنى جديدا إلى المعاني السابقة،  أضاف معنى "أنمى" وتبعه بشرح توضيحي فيه بعض إشارات إلى ما توصلت إليه نتيجة الدراسة الألمانية سالفة الذكر: " قوله: (أزكي لهم) أي أطهر وأطيب وأنمى لأعمالهم، فإن من حفظ فرجه وبصره طهر من الخبث الذي يتدنس به أهل الفواحش، وزكت أعماله بسبب ترك المحرم، الذي تطمع إليه النفس وتدعو إليه، فمن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، ومن غض بصره أنار الله بصيرته..." [14]
 .... من غض بصرة أنار الله بصيرته!!!
  وسرعان ما هرعت إلى معاجم اللغة العربية وقواميسها، أتحقق من المعنى الجديد الذي أضافة السعدي إلى ما سبقه من تفاسير، فوجدته وقد أصاب المعنى؛  ففي معجم المعاني الجامع: أزكى الزرع بمعنى نما، وأزكى المال أي نمّاه ووفره، وفي قاموس المعاني: أزكى الشئ بمعنى نما وزاد، وفي معجم اللغة العربية المعاصر: أزكي طعاما بمعنى أحل، أو أجود طعاما، وفي معجم كلمات القرآن: أزكى لكم (سورة البقرة الآية 232) أي أنمى وأنفع لكم، وأزكى لكم (سورة النور الآية 28) أي أطهر لكم من دنس الريبة والدناءة[15]. وهنا ازددت حيرة إلى حيرتي، وفضولا إلى فضولي، وأضيف إلى تساؤلاتي تساؤلا جديدا: لماذا اختار المفسرون أطهر وأفضل وخير، ولم يختاروا أنمى وأوفر وأزيد؟!


[1] سورة الشمس: الآية 9
[2] سورة العنكبوت: الآية 45
[3] سورة البقرة: الأية183
[4] سورة التوبة: الآية 103
[5] سورة النساء: الأية 160
[6] http://www.nabulsi.com/blue/ar/print.php?art=10846
[7]  الطبرى، ابن جرير، الجزء 17، ص 254
[8] البغوي، معالم التنزيل، الجزء 6، ص 32
[9] ابن الجوزي، زاد المسير في علم التفسير، ص 994
[10] القرطبي، الجزء 15، ص 202
[11] ابن كثير، تفسير القرآن العطيم، الجزء 6، ص 39، 40
[12] سيد قطب، في ظلال القرآن، تفسير سورة النور، الآية 30
[13] د. أسعد محمود حومد، أيسر التفاسير864
[14]  عبد الرحمن ناصر السعدي، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص 615
[15] http://www.almaany.com/home.php?language=arabic&lang_name=%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A&word=%D8%A3%D8%B2%D9%83%D9%89

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق