تابع
1- خلق طهارة النفس
قد كنت قد استشهدت
فيما سبق بثلاثة آيات تحث الفرد على طهارة نفسه وتزكيتها، أولها قوله تعالى في
سورة الشمس (قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها). يقول السعدي في قوله (قد أفلح
من زكاها) أي: طهر نفسه من الذنوب، ونقاها من العيوب، ورقاها بطاعة الله، وعلاها
بالعلم النافع والعمل الصالح (وقد خاب من دساها) أي أخفى نفسه الكريمة التى ليست
حقيقة بقمعها وإخفائها بالتدنس بالرذائل، والدنو من العيوب والذنوب، وترك ما
يكملها وينميها، واستعمال ما يشينها ويدسيها.[1] وقد ذهب بن كثير ووافقه الرازي[2]
إلى أن قوله تعالى "قد أفلح من زكاها" يحتمل معنيان: أولهما: قد أفلح من
زكى نفسه بطاعة الله، وطهرها من الأخلاق الدنيئة والرذائل، وثانيهما: قد أفلحت نفس
زكاها الله عز وجل [3]، وقد وافقهما الزمخشرى في
الاحتمال الأول بينما رفض الاحتمال الثاني معللا ذلك بقوله: "وأما قول من زعم
أن الضمير في زكّى ودسّى لله تعالى وأن تأنيث الراجع إلى (من) لأنه في معنى النفس
فمن تعكيس القدرية الذين يورّكون على الله قدرا هو برئ منه ومتعالٍ عنه، ويحيون
لياليهم في تمحل فاحشة ينسبونها إليه"[4]
أما الواحدي في الوجيز فقد أرجع تزكية النفس ودسها إلى الله عز وجل حيث قال: (
أفلح من زكاها) أي سعد من أصلح الله نفسه وطهرها من الذنوب، وخاب من دساها أي
جعلها الله ذليلة خسيسة حتى عملت الفجور"[5]
وقد تعرض صاحب الظلال "سيد قطب" بشئ من التفصيل لهذه الآيات، فراح يغوص
في طبيعة الكائن البشري يحللها ويشرّحها بقوله " إن هذا الكائن مخلوق مزدوج الطبيعة، مزدوج الاستعداد،
مزدوج الاتجاه، ونعنى بكلمة مزدوج على وجه التحديد أنه بطبيعة تكوينه [من طين
الأرض ومن نفخة
الله فيه من روحه] مزود
باستعدادات متساوية للخير والشر، والهدى والضلال، فهو قادر على
التمييز بين ما هو خير وما هو شر. كما أنه قادر على توجيه نفسه إلى الخير
وإلى الشر سواء. وأن هذه القدرة كامنة في كيانه، يعبر عنها القرآن بالإلهام تارة ونفس وما سواها،
فألهمها فجورها وتقواها. . ويعبر عنها بالهداية تارة وهديناه النجدين. . فهي
كامنة في صميمه في صورة استعداد . . والرسالات والتوجيهات والعوامل الخارجية إنما
توقظ هذه الاستعدادات وتشحذها وتوجهها هنا أو هناك. ولكنها لا تخلقها خلقا. لأنها
مخلوقة فطرة، وكائنة طبعا، وكامنة
إلهاما .وهناك إلى
جانب هذه الاستعدادات الفطرية الكامنة قوة واعية مدركة موجهة في
ذات الإنسان. هي التي تناط بها التبعة . فمن استخدم هذه القوة في تزكية
نفسه وتطهيرها وتنمية استعداد الخير فيها، وتغليبه على استعداد الشر، فقد
أفلح، ومن أظلم هذه القوة وخبأها وأضعفها فقد خاب. (قد أفلح من زكاها وقد خاب من
دساها).[6]
فاللهم أعنا على تزكية نفوسنا وزكها أنت خير من زكاها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق