الخميس، نوفمبر 14، 2013

مطباااااات




جمعني معه آخر مقعد في المكروباص، ولم يمض كثير وقتٍ حتى التفت إلىّ، وسألني:  يبدو أنك غريب، أليس كذلك؟ قلت له: نعم، فأنا ذاهب إلى قرية تسمى "دلهموا" لأداء واجب العزاء في وفاة والد أحد أصدقائي المقربين. قال لي :وكيف كان الطريق؟ قلت له: الحمد لله، فقد عبرت حتى الآن مائه وثلاثة وثمانين مطبا صناعيا، ناهيك عن المطبات الطبيعية التي لا حصر لها ولا عدد. ومررت كذلك بأكثر من ثلاثمائة كومة قمامة، نصفها ينبعث منه الدخان، والنصف الآخر تفوح منه جميع الروائح العفنة والكريهة، ومعظمها موجود بجوار هذه المطبات، والتي لم تكد تنتهي من استنشاق أحدها حتى تصل إلى الأخرى في حلقات لانهاية لها ولا آخر .قال لي- بعدما ضحك ضحكة فهمت أنها تنتمي إلى ذلك النوع من أنواع شر البلية مايضحك-: "دعني أؤكد كلامك، فقد كرهت المرور والسفر من هذا الطريق ولكنها دوامة أكل العيش"، ثم استطرد قائلا: "أسافر كل يوم إلى مدينة القاهرة؛ فعملي كفراش في إحدي الشركات هناك يضطرنى أن أقطع هذه المسافة ذهابا في ساعتين، أما في العودة فأقطعها في ثلاث ساعات ونصف، والسبب الرئيسي لهذا التأخير هو هذه المطبات الصناعية" ثم واصل الحديث بقوله: "ومنذ شهرين أحسست بألم شديد في ظهري فذهبت إلى الطبيب، الذي بشرني بالغدروف، طالبا منى أن ألزم الفراش. ولما سألته عن سبب ما أصابني قال: جلوسي لساعات طويله في المواصلات هو السبب، وأخبرني بأن المطبات الصناعية ربما تكون أيضا أحد الأسباب". وهنا تدخلت امرأه في سن الأربعين أو يزيد، بدى من طريقة كلامها أنها نالت نصيبا من التعليم قائلة " حسبى الله ونعم الوكيل في اللي اخترعوا المطبات دي، بسببها سقط حملى الأولانى"  ولم تكد المرأة تكمل حديثها حتى توقف الميكروباص فجأة، وسمعنا صراخا وعويلا، فنظرت من النافذة، فإذا بي أرى طفلا ملقيا على الأرض غارقا في دمائه، وقد قام أحدهم بحمله سريعا،ثم استقل متوسكلا (دراجه بخاريه) ثم اختفى.

 ووقف النسوه يولولن وجاء الرجال مزعورين، ووقف الطريق،،، ثم تعالت الأصوات، وألقى أهل الطفل باللوم على السائق، وكل سائق... وبرأ سائق سيارتنا السائق الذي صدم الطفل بقوله : "يعني هو ذنبه إيه؟ مش أهل الطفل دا هم السبب اللي سايبنه يلعب كدا في الشارع من غير مراقبة؟"

انفض الناس، وواصلنا السفر، ثم ذهبت إلى العزاء، وفي طريق العودة جاء جلوسي بجوار السائق، وعند اقترابنا إلى مكان الحادث الذي صُدم فيه الطفل، توقف السائق فجأة، فوجدت أن أهل الطفل الذي صدمته السيارة قاموا بعمل مطب صناعى، وهنا صاح السائق ساخطا " يعني من قلة المطبات اللي في الطريق! " فقلت له " بس الناس عندها حق فيه حوادث كتيرة بتحصل لأنكو بتمشوا بسرعة" فأجاب:"يا بيه مفيش إشارات مرور، والناس بتعدي الطريق من غير ما تبص، وبعدين ما فيش كمان إضاءة كويسة في الشوارع"!

قلت له: لا تعليق!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق