ا
أقسم أنني كنت واحدا ممن
يحبون زيارة بلدتهم الصغيرة في ريف الدلتا، وأقسم أننى كنت أشتاق كثيرا لرؤية ترعها،
وقنواتها، وحقولها، وزراعاتها، وحيواناتها، وأهلها... أقسم أن كل ذلك الحب قد
اختفى الآن!
فبعد أن صارت معظم
أراضيها الزراعية كتلا أسمنتية، رصت بجوار بعضها بطريقة عشوائية مستفزة، وبعد أن أصبح
التلوث البيئي هو الأصل، والنظافة أضحت من النوادر، وبعد أن تغيرت أمزجة الناس
وتبدلت أخلاقهم، وكثرت الشجارات، وانتشرت السرقات، وعمت الفوضى... كرهت زيارة
القرية، ولولا أناس يعزون علي من ساكنيها، لما قمت بزيارتها!
في حوار كنت أحد
مستمعيه، وكان المتحدث فلاحا من فلاحى القرية الذين أجلهم، وأحترم فيه ثقته بنفسة
واطلاعه، قال: الحمد الله الذي أطاح برئيس
جعل من الفلاح عبدا، أفقره، وأذله، وجعله يقترض لينبت زرعا يأكل الشعب منه، دون أن
يستطيع ادخار شئ لنفسه. كانت مشكلة ارتفاع أسعار الأسمدة يسبب له أزمة كبيرة، واصل
مستفهما: سعر شيكاره السماد العادي قد تعدت المائه والعشرين جنيها، فكيف لي
أن أشتريها!
أفهم جيدا هذا الالم، وأفهم تلك المعاناة؛ فالفلاح
قد يجوع هو وأولاده ولا تجوع جاموسته وأرضه! مثله في ذلك مثل أهل المدن الذين يقتنون
الكلاب والقطط، ويفضلونهم على أولادهم وأنفسهم في بعض الأحيان، مع الفارق في
التشبيه، والتباين في الرفاهية!
حسرتي لا توصف!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق