الثلاثاء، أغسطس 23، 2016

كرم سامي يكتب:


ملخص كتاب شمس العرب تسطع على الغرب للمستشرقة الألمانية زيجريد هونكة

بينما أتصفح الإنترنت باحثا عن كتاب باللغة الألمانية ظهر لي هذا الكتاب: Allahs Sonne über dem Abendland بالعربية: "شمس الله تسطع على الغرب". أثار العنوان فضولي، خاصة بعدما تعرفت على مؤلفة الكتاب؛ وهي المستشرقة الألمانية ذائعة الصيت Sigrid Hunke زيجريد هونكه.  
 تسائلت كثيرًا عن السبب وراء تسمية الكتاب بـ "شمس الله تسطع على الغرب"؟ و أي محتوى وأي  موضوع سيناقشه هذا الكتاب؟ و لمَ استخدمت الكاتبة كلمة Allah ولم تستخدم كلمة  Gott؟ حيث أن كلمة الله تُستخدم غالبًا من قِبَل المسلمين و في سياق إسلامي، بينما تُستخدم في الغرب كلمة "Gott: إله"، ما الذي حملها على ذلك؟؟ كل هذه الأسئلة جعلتني أتشوق للتطلع على هذا الكتاب القيم.
 وُلدت زيجريد هونكه في مدينة Kiel عام 1913 وتوفت عام1999  في مدينة هامبورج الألمانيتين. درست علم أصول الأديان و مقارنة الأديان و الفلسفة و علم النفس و الصحافة. قضت عامين في مراكش وقامت بالعديد من الزيارات إلى بعض البلدان العربية دارسة باحثة. سخَّرت هونكه حياتها العلمية والثقافية فى البحث و التنقيب حول الحضارة العربية و تاريخها. و قد خلَّفت العديد من المؤلفات القيمة، منها هذا الكتاب الذي بين أيدينا.
صدر هذا الكتاب عام 1960 في مدينة شتوتجارت الألمانية و أحدث ضجة كبيرة، قام البعض بنقد الكاتبة متّهمًا إياها بالتحيز و التعصب للعرب، و قام البعض الآخر بالدفاع عنها، مما أدى إلى انتشار واسع للكتاب وتم ترجمته إلى العديد من اللغات، منها العربية، تحت عناوين مختلفة " شمس العرب تسطع على الغرب" و "شمس الإسلام تسطع على الغرب" و "شمس الله تشرق على الغرب".
 تتناول الكاتبة في مؤلفها تاريخ العرب و تأثيرهم على المستوى الحضاري و العلمي على الحضارة الغربية فى مجالات مختلفة كالطب و الفن و العمارة و الصيدلة و الزراعة و الأرقام و الحساب و التكنولوجيا و فى علوم الفلك و الكمياء و الفلسفة و الرياضيات. كما ناقشت تأثر اللغات الأوروبية باللغة العربية، و حضارة الأندلس.
ما يميز هذا الكتاب في رأيي ويجعله مرجعًا ثمينًا هو أسلوب الكاتبة المعتدل. حيث تتحدث بحيادية شديدة وإنصاف بالغ دون تجنٍّ أو انتقاص من قدر أحد، على العكس من بعض الكتابات الاستشراقية غير الموضوعية. جعلت هونكه هدف الكتاب هو تقديم بعض دلالات عبقرية العديد من العلماء العرب الذين جهلنا سيرهم وأعمالهم، وأرادت تكريم العرب قائلة: "صمّمت على كتابة هذا المؤلَّف، وأردت أن أكرم العبقرية العربية، وأن أتيح لمواطنىّ فرصة العودة إلى تكريمها، كما أردت أن أقدم للعرب الشكر على فضلهم، الذى حرمهم من سماعه طويلًا تعصب دينى أعمى أو جهل أحمق."
قامت المؤلفة بتقسيم الكتاب إلى سبعة أبواب؛ تحدثت فيها عن ما يلي:
 جاء الباب الأول تحت عنوان "رفاهية حياتنا اليومية" و فيه تحدثت عن أسماء عربية لحاجات عربية، أوروبا الجائعة في ظل التجارة العالمية، البندقية محطة الحصار، في مدرسة العرب. الباب الثاني "العالم والأرقام" تناولت فيه ما ورثه الألمان عن الهند و فضل الخوارزمي في مجال الرياضيات، البابا يحسب بالعربية، تاجر يعلم الغرب. الصراع المرير، حيث احتلت الأرقام العربية بلاد الغرب وقامت بدورها في العلوم و الرياضة والإقتصاد. أما الباب الثالث و الذي حمل عنوان "السماء التي تظلّنا" فدار الحديث فيه عن عالم الفلك العربي موسى بن شاكر و أولاده الثلاثة (محمد، أحمد، الحسن) علم الفلك، علم الرياضيات، علم الميكانيكا. كان موسى صديقًا حميمًا للخليفة المأمون و عندما توفّي اعتنى الخليفة بأطفاله الثلاثة حتى كبروا و علا شأنهم، و أنشأ لهم دارًا في بغداد؛ حيث قاموا برصد النجوم رصدًا علميًّا و عمل قياسات للنّجوم فاقت ما قام به بطليموس دقّةً.

 خصصت هونكه الباب الرابع للحديث عن الطب، حيث ذكرت سيرة الرازي و نبوغه في هذا المجال، في الوقت الذي اعتقد الفرنجة فيه أن الآلام لعنة من السماء أو شيطان دخل النفس و يجب طرده بالقوة. أما الباب الخامس فأفردته لموضوع "سلاح المعرفة" وفيه: المعجزة التي حققها العرب، الغرب يسير في طريق مظلم، منهج المنتصرين، طلب العلم عبادة، الشغف بالكتب، شعب يذهب إلى المدرسة، هدايا العرب للغرب. وفي الباب السادس و الذي جاء بعنوان "موحد الشرق والغرب" تناولت تاريخ دولة النورمان باعتبارها حلقة الوصل بين العالمين الشرقي والغربي، توحيد الشعوب المتنازعة، "سلطان" لوسيرا، أحاديث عبر الحدود، نظرة جديدة إلى العالم. أما الباب السابع والأخير فخصصته للحديث عن عرب الأندلس. كما قامت بإلحاق أربعة ملاحق عامة، خصصت الأول منها لمقارنة تاريخية بين العالم العربي و العالم الغربي، أما الثاني فجمعت فيه كمًّا من الكلمات الألمانية المأخوذة عن العربية والفارسية. وفي الملحق الثالث أوردت جدولاً بأسماء عربية الأصل لبعض الكواكب. أما الملحق الرابع و الأخير فأفردته بجمع بعض الصور الفوتوغرافية (كالحمامات العربية، النقود القديمة، السنن العربية، ابن رشد في لوحات الفنانين). لعل هذا الكتاب يكون حافزاً لنا على مواصلة ما بدأه الأجداد. رحم الله الكاتبة و جزاها خيرًا عن كتابها البالغ القيمة. فكم نحتاج اليوم إلى مثلها كي يذكرنا بالتاريخ العظيم و المجد الذي أحدثه العرب الأوائل!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق