الأربعاء، أغسطس 24، 2016

على شاهين يكتب:


ملخص كتاب ليتزو المنسوب للحكيم الصيني (ليتزو)

يُعتبر كتاب ليتزو، وهو كتاب مترجم عن النص الصينى وصادر عن المركز القومي للترجمة، أحد أهم المؤلفات الكبرى فى الفلسفة الطاوية، وهو منسوب إلى الحكيم الصيني ( ليتزو) الذي يُرجح أنه قد ولد عام 350 ق.م، وكانت أقدم نسخة محققة من الكتاب قد وضعت عام 77 ق.م، إلا أنها فُقدت تماما ولم يتبقى منها سوى الأبواب الثمانية التى قام بترجمتها الأستاذ المختص باللغة الصينية محسن فرجاني، ورغم الأقاويل الكثيرة التى شككت فى صحة انتساب النص إلى (ليتزو) بل وشككت فى وجود شخصية (ليتزو) من الأساس، إلا أن الكتاب يُعتبر أحد أهم الكتب التى تناولت التصور الطاوي للوجود وتناولت العوالم الغيبية متجاوزة أخلاق وسلوك كونفوشيوس. وقد بذل الأستاذ محسن فرجاني مجهودا واضحا جدا فى النُبذة الموجودة فى صدر الكتاب، والأمانة فى الترجمة الواضحة فى الحواشي.
مُلخص الكتاب:
والكتاب مُقسم إلى ثمانية أبواب، يُمكن أن نقول أن الفلك الذى تدور حوله القصص والأساطير والمواعظ المبثوثة فى ورق الكتاب مبدأ (اللاعمل) أو كما يقول المترجم (مبدأ الإنخزال)، ولا نعنى بتلك الكلمة أن الفلسفة الطاوية تدعو إلى البطالة أو إلى الكسل بل هى أقرب إلى مبدأ اكتشاف قوانين الطبيعة، واكتشاف قوانينك الخاصة، وهي لا تحاول معارضة قوانينهم فلا داعي للتذمر بشأن البراكين او السيول أو الأمراض والنواصب والأحداث التى تُصيب الإنسان لأنها جزء من الطبيعة والقدر وحين تعلم أسرار الطبيعة يمكنك أن تتوحد بها فلا النار مؤذية ولا النوائب مُهلكة ولا النيران مُحرقة ولا الأمراض ستفتك بك.
والمعرفة لا يقصد بها الطاويين المعرفة بالمعنى الأبستمولوجي أى معرفة المنهج التجريبي والاستقراء لوضع قوانين المادة والطفو والحرارة، بل معرفية وضعك الحقيقي وأدق أسرار الطبيعة لتكتشف قدرك فلا يُصيبك هم وحزن أو غم. ويُمكن تلخيص الثمانية أبواب نظرا لتشابه الكثير من الأبواب فى الأفكار والسياق العام دون اختلاف يُذكر على النحو التالى :
·      الفصل الأول والخامس: يتناولان كيف بدأ الوجود؟ فيقول (ليتزو) أن التصالح حين تم بين السماء والأرض أفاضت الأولى على الثانية وظهرت الطبيعة ويظهر التجريد بشكل قوي فى الفصل الأول عنه فى الفصل الخامس فى وصف البدايات ليؤكد (ليتزو) بعبارة تُلخص كل شئ (لا حياة لمن أدركته الحياة ولا ممات لمن أدركه الموت) أى لاشئ ثابت وإنما هى صيرورة كصيرورة هيراقليطس وكذلك فى الفصل الخامس يسأل الحاكم وزيره عن الخلق وكيف جاء البشر فيخبره بنظرية هى أقرب للتطور الدارويني منها إلى الأساطير العامة للمثيولوجيات من حيث تطور الحياة من أبسط مظاهراها إلى شكلها المعقد، ويعج الفصلان بالقصص التاريخية الحقيقة والأسطورية التى تُثبت أنه لا شئ دائم ولا شئ يبقى على حاله بما فى ذلك العادات والتقاليد والقوانين.

·      الفصل الثاني والسادس يناقشان أهمية وضرورة الخضوع لقوانين الطبيعة ومبدأ التحول، أما ذاتك فالبهدوء والتأمل والسكينة والإيمان بالقدر تستطيع أن تستكشفها بسهولة ومن ثم تكتسب حكمة عالية لأن هناك الكثير من الأشياء المجهولة والغير قادرة على كشف ألغازها فأنعم بحياتك وأرضي بمصيرك ولا تلقي بالا لأقوال الحكماء لأنه لاشئ ثابت بما في ذلك حكمتهم التى تتلائم مع وقت معين ، ويورد الفصل الكثير من الأمثلة والقصص ذات المغزى العميق للأشخاص الذين يمشون على الماء ويدخلون النار خارجين منها بسلام والكثير من قصص الخوارق التى تكشف عن أن اصحابها فهموا دورهم فى الطبيعة ومن ثم لم تُصيبهم الأخيرة بسوء.
·      الفصل الثالث والرابع : يكشف عن طريق القصص والأمثلة عقم السعي لكى تحوز جميع الفضائل والمعارف فهي لن تصلك إلى علم ذو قيمة كما أشار الفصل إلى أن من عرف الطاو (وهو تصالح الين واليانج أى تصالح السماء مع الأرض ويمكن تفسيره على أنه تصالح او وحدة التناقضات المتمثلة فى الرسمة الشهيرة للنقطة البيضاء فى الخانة السوداء والنقطة السوداء فى الخانة البيضاء) لن يهتم كثيرا باظهار خوارقة ومعجزاته أمام الناس ومن رغب فى تعلم الطاو لأجل هذا فلن يمكنه فعل الخوارق، ويُركز كذلك على فكرة الحلم فى أشارة الى تميع الحدود بين الواقع والخيال ويجد القارئ لكتاب تفسير الأحلام لسيجموند فرويد الكثير من تشابه رؤية فرويد ورؤية الطاوين من حيث الخط الواهن الذي يفصل بين الواقع والحلم وأن الأخير ماهو إلا تحقيق رغبة يتم كبتها بعنف طوال النهار ويُفصّل الفصل الثالث بالأخص لنوعية الأحلام وصعوبة التفرقة وضرورة النظر إليها كأمتداد للواقع وليس غيبوبة لعوالم ميتافزيقية وكالعادة الفصل ملئ بالأمثلة ذات الدلالة العميقة والتكثيف المُبهر.
·      الفصل السابع والثامن: فى الفصل السابع يذكر الكتاب الكثير من الأمثلة التى تُدحض المذهب الكنفوشي بكثير من التهكم والسخرية وقليل من الموضوعية فيأتي بأمثلة واقعية لأشخاص التزموا بالسلوك الكونفوشي فعاشوا شظف العيش فقراء، ليس لهم صيت وحرموا أنفسهم من متع الحياة و زهدوا عن حياة اللذة واللهو فما أغنى عنهم كونفوشيوس ولا نفعتهم المبادئ والقيم العُليا. وفى الفصل الأخير من الكتاب يأتي الكاتب بالكثير من البراهين والقصص كبرهان ( والفصل الثامن يُسمى بالبرهان) وأنه من الأفضل للإنسان أن يعرف دوره الذى رسمه للقدر، فإن ظلمك الحاكم فلا تثور فدورة الطبيعة كما رزقتك بحاكم فاسد سترزقك بحاكم صالح لأن دوام الحال من المحال فأهتم بنفسك وأعكف على الأستمتاع بلذائذ العيش فالراحة النفسية والأيمان بالمصير أهم من البحث عن الحقيقة او المعرفة او الحق إلخ.


ملاحظة أخيرة : القصص والأساطير الواردة فى الكتاب غاية فى الجمال والتدبر، ومن الصعب تعريف الطاو بشكل ويكيبيدي وإنما القارئ سيتفهم الطاو من خلال السياق العام للأمثلة ولهذا أحجمت عن تعريفه فى بداية المقال وبالمناسبة هو ما أدركه المُترجم مُحسن حين وضع أكثر من تعريف للطاو فى تصديره للكتاب، الكتاب أذهلنى من اللغة التجريدية فى وصف الطاو من قِبل الحكماء، رغم أن اللغة الصينية القديمة كانت تتكون عن عبارات وليست جُمل مُرتبطة ببعضها بشكل ما من أشكال الربط وهو مايجعل وصف ليتزو فى الوصف لكيفية مجيئ الدنيا أمر مذهل فأنت تقرأ نصوص للحلاج أو ابن عربي أو ابن عطاء الله السكندري وليس شخص بعيد عن مراكز الثقافة العالمية صاحب لغة متواضعة وهو ما يُحيل القارئ لأستعادة الشغف بلفلسفة اللغة وماهية العقل البشري، وأخيرا الكتاب يستحق بكل علامات التأكيد القراءة!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق