لم نمكث طويلا في
فسقية الأغالبة، وكذلك الحال في قبر الصحابي أبي زمعة البلوي، وهو قبر كبير لا
يبعد كثيرا عن فسقية الأغالبة، ملحق به مسجد ومدرسة دينية ومكتبة، وساحة كبيرة
محاطة بسور حديدي مرتفع. عند المدخل المبني بالطوب الأحمر
كانت لوحة من الرخام تحكي قصة القبر وصاحبه جاء فيها:
"هذا مقام
أبي زمعة البلوي، صاحب رسول الله، كان معه في الحديبية وبايعه بها بيعة
الرضوان. شهد فتح مصر مع عمرو بن العاص، ودخل
إفريقية في جيش معاوية بن حديج في خلافة عثمان بن عفان ومعه جماعة من أعيان
الصحابة منهم عبد الله بن عمربن الخطاب وعبد الله بن الزبير. أدركته الوفاة في
جلولة على نحو ثلاثين ميلا من القيروان ونقل إلى هذه ودفن بها سنة 34ه. ومعه شعر
من شعر رسول الله. أقام الأمير حمودة باشا المرادي على قبره قبة أندلسية وزاد بها
صحنا فسيحا وذلك سنة 1085ه. ثم زاد عليها الأمير محمد بن مراد قبة الهواء والصومعة
والمدرسة والعلو المعروف بعلو الباشا وذلك سنة 1094ه."
والحق أنني لم
أسمع بهذا الصحابي من قبل، ويبدو أن مكانته رفيعة عند أهل القيروان؛ فقبره من
الداخل عبارة عن تحفة فنية رائعة، ويأتيه الناس من كل أنحاء تونس للتبرك، ويُعقد
فيه قران الزواج، وتُجرى فيه عمليات الختان. وللقبر خادم ينتظر خروج الزائرين
فيعطيهم من ماء الزهر، فيعطوه مما رزقهم الله.
كانت زيارة مقام أبي
زمعة البلوي هي آخر زيارة لنا في القيروان، كنت أود لو يطول بنا المقام، يوم،
يومان، ثلاثة، عشرة، لماذا دوما يصعب الفراق؟!
غابت الشمس فجأة،
أو هكذا تخيلت، اسوّد كل من حولي، لم أعد أرى شيئا ولم أعد أسمع. انتبهت على يد
غسان وهي تضرب على كتفي، أين أنت؟ انظر هنا ينمو نبات السبخة التي يحبها الإبل،
والتي بسببها اختار عقبة بن نافع أن يبني القيروان.
القيروان ...
نعم... وداعا أيتها القيروان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق