الأستاذ الدكتور عمر رياض[1]
يكتب: ملخص كتاب الحج في عصر الإمبراطورية والاستعمار
الكتاب باللغة الانجليزية، نشر في عام 2016، ويقع في حوالي 300 صفحة، وهو مجموعة أبحاث
لباحثين من دول مختلفة، شاركوا في مؤتمر نظمته جامعة لايدن بالمشاركة مع دارة
الملك عبد العزيز في الرياض، ويركز الكتاب على التصورات السياسية للحج، والصراع
الأوربي على النفوذ والهيمنة في العالم الإسلامي في عصر ما قبل الاستعمار
والامبراطوريات الاستعمارية، من أواخر القرن الخامس عشر وأوائل القرن السادس عشر،
إلى فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية وبعدها، وعرض لتطورات في الثقافة والتجارة
والسياسة من خلال عدسة الحج.
ويشير الكتاب إلى أن الحج شعيرة متكاملة تضم جوانب اجتماعية
وسياسية واقتصادية وروحية، وكان له تأثير كبير يفزع الاستعمار؛ لأن مشهد الاتحاد
العظيم كان يؤرقهم سياسيا، فضلا عن الخوف من انتشار الأوبئة؛ حيث كان الحجاج
يتنقلون عبر السفن ويختلطون بأناس كثر في رحلاتهم الطويلة، إضافة إلى أن حجم
التجارة المتبادلة وارتفاع عائد السفن الأوربية التي كانت تنقل الحجاج أثار صراعا
دفعهم إلى التطلع للهيمنة على العالم الإسلامي في عصر الاستعمار، وقد أسهب الكتاب
بذكر تفاصيل دقيقة في هذا الشأن.
وفي الكتاب فصول عدة شملت الحج وأوربا في عصر الاستعمار
وقبل الاستعمار؛ فعلى سبيل المثال هناك ما يتناول أعمال القتل والاضطهاد التي لحقت
بسفن الحجاج أيام التواجد البرتغالي في منطقة المحيط الهندي خلال القرن السادس
عشر، والتنافس التجاري لشركة السفن البريطانية "توماس كوك" في نقل
الحجاج، وكيف اهتم البريطانيون بصنع دوائر معرفية جديدة عن الحج في الأوساط
السياسية لمتابعة أحوال الحجاج السياسية، والسياسات الفرنسية تجاه الحج في أواخر
القرن التاسع عشر في الجزائر وكيف أن البولنديين صنعوا مخيلة عن الحج تناولتها
خبرات الرحالة إلى مكة بين الحقيقة والخيال.
هذا وقد سيطر الاستعمار على ملف الحج في العصر العثماني
حتى أصبح الحج محور تحرك السفن التي تتحكم فيها قوى عظمى، فأثروا على رحلات الحجاج
ببعث جواسيس لأغراض سياسية، وطلائع أطباء القنصليات الأوربية في جدة وفي المحاجر
الصحية؛ بسبب مخاوف من الأوبئة كالطاعون والكولير.
ومن المخاوف التي كانت تؤرقهم أيضا أن الطلاب الوافدين
من مكة والعائدين من الحج، كانوا يرجعون إلى المستعمرات الأوربية محملين بأفكار
مناهضة للاستعمار بضرورة الوحدة الإسلامية لمواجهة ظلم المستعمر؛ فيرجعوا إلى
بلادهم كارهين للاستعمار، حتى وصل الأمر في بعض الأحيان إلى تكوين مجموعات مناهضة
لمواجهته؛ لذا اتجهت على إثر ذلك بعض أعمال القنصليات الأوربية في جدة إلى زيادة
عمليات الرقابة على الحجيج. وللقنصليات –في ذلك الوقت- دور آخر، فقد عملت على
مراقبة الحركة التجارية في منطقة البحر الأحمر والخليج العربي، فضلا عن إصدار
بيانات بشأن الأمراض وشن حملات طبية لمواجهتها؛ خوفا من أن تنتقل إلى المستعمرات
عن طريق الحجاج، فضلا عن إعداد دراسات ميدانية عن المشاعر في مكة الحجاج، وإعداد
تقارير سياسية عن الأوضاع وتقارير طبية وجغرافية، بل واجتماعية، عن منطقة الجزيرة
العربية.
هذا وقد تعرض الكتاب إلى نظرة الصحافة الأوربية للحج في
تلك الفترة وذكر أنه في بعض الأحيان كانت الصحافة تصور الحج ومكة على أنهما مصدر
الأمراض وبوابة تلوث، في ذلك العصر، بعد انتشار الطاعون والكوليرا؛ فعلى سبيل
المثال لقي نحو عشرين ألف شخص مصرعهم في شبه الجزيرة العربية بسبب الكوليرا في عام
1831، وفي عام 1865 لقي عام خمسة عشرة ألفا آخرين مصرعهم بسبب الكوليرا كذلك، ورأى
مراقبون آنذاك أنها جائت بسبب حجاج أتوا من الهند التي شهدت المرض في سنة 1817.
ونظمت فرنسا المؤتمر الصحي الدولي في عام 1851 بهدف فحص السفن، ولبحث آراء كانت
تتردد في الدوائر السياسية الأوربية دعت إلى حظر الحج في المستعمرات، وكانت معظم
الصحافة تتناول مثل هذه القضايا، وفي تلك الفترة أيضا نشرت رحلات أجراها أوربيون
إلى مكة، كما فعل ذلك كثير من مشاهير العرب والمسلمين في أقطار مختلفة، وما وصل
إلينا عن أول أوربي دخل مكة والمدينة هو الإيطالي Ludivico di Varthem،
ونشرت رحلته باللغة الإيطالية في روما في 1510، وترجمت إلى خمس لغات في نهاية
القرن السادس عشر، والرحلة بها خرافات حول رؤية حيوانات أسطورية ووحيد القرن في
صحن الكعبة تبعه رحلات عدة نشرت؛ لكن لا يمكن التأكد من صحتها بدرجة جازمة.
ومما لا شك فيه فقد خدمت طريقة كتابة هذه الرحلات بعض
دوائر الاستعمار والنفوذ الأوربي في الجزيرة العربية، وكان أهم هؤلاء الأوربيين
الذين دخلوا مكة المستشرق الهولندي كرسيان سنوك هرخرونيه، بعد أن ادعى اعتناق
الاسلام واسمى نفسه عبد الغفار، ومكث في مكة قرابة ستة أشهر يصور بكاميرته؛ لكنه
هرب من مكة قبل الحج وألف كتابا بعد ذلك أسماه "صفحات من تاريخ مكة":
ونشر ألبومات صور للحج شكلت الوعي السياسي والأكاديمي للحج لعقود عدة حتى الآن.
وقبل عصر التصوير، كان يعتمد المسلمون الذين يزورون مكة
والمدينة على الوصف في كتب التاريخ أو رسومات في مخطوطات قديمة في القرون الوسطى،
وبعد بداية العصر الحديث في أوربا انتشرت بعض الرسوم واللوحات للبيت الحرام، التي
كانت تطبع في كتب المستشرقين الأوائل عن الإسلام، وتعود أقدم لوحة زيتية للحرم
المكي إلى بداية القرن الثامن عشر، جلبها المستشرق السويدي ميخائيل إينمان من
استانبول خلال بعثة دبلوماسية ، وظل الأمر كذلك حتى عام 1861 حين التقط ضابط الجيش
المصري المهندس محمد صادق باشا (1832-1902) أول صور للمدينة المنورة أثناء زيارته
الاستكشافية في الجزيرة العربية وبعدها في عام 1880حين صور الكعبة في موسم الحج؛
وبهذا يدخل الأميرلاي أركان حرب صادق باشا كأول مصور فوتوجرافي للبيت العتيق.
الكتاب جدير بالقراءة وفيه معلومات وتفصيلات دقيقة
للباحثين والمهتمين.
[1] عمرو رياض: أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة
أوترخت الهولندية ورئيس مشروع دراسة أوضاع المسلمين في أوربا في فترة ما بين
الحربين العالميتين. وسينتقل في أكتوبر 2017 للعمل أستاذا للدراسات العربية
والإسلامية في كلية الأداب في جامعة لوفان البلجيكية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق