الأربعاء، يوليو 25، 2012

من يومياتي في ألمانيا (برلين 6)


أخرجت من حقيبتي تفاحتين ، أعطيت فريدريش واحدة وأخذت الأخرى، ولما هممت بقضم تفاحتي، فإذا بي أرى شيئا غريبا جعلني أتوقف فجأة. ما هذا؟؟ إنها دراجة هوائية، ولكنها ليست كدراجاتنا الهوائية، إنها دراجة عائلية، لها سبعة مقاعد ولكل مقعد منها جزء مقسوم. نعم دراجة لها سبعة مقاعد وبها سبعة بدالات، ومن الممكن أن يركبها سبعة أفراد في وقت واحد ويبدلون جميعا. قلت لصاحبي متعجبا: هل تري ما أراه يا فريدريش؟ فأجابني ببرود: عادي دي دراجة " كونفرينس بايك" فقلت له في سري" نورت المحكمة" وعرفت بعد ذلك أن هذه الدراجة هي واحدة من ستة دراجات مماثلة في المدينة، ومن الممكن أن تقوم أي مجموعة بتأجيرها مع مرشد سياحي، ويتجولون في الأماكن التي يحددونها سلفا، وفي الأوقات التي يريدونها. فقط بـ 24 يورو، ولم أتأكد هل هذا المبلغ للفرد، أم للجميع!
راودتني فكرة أن نذهب ونؤجر هذه الدراجة إلا أن النشاط الذي ما يزال يدب في جسدي والقشعريرة التى تأكل في جلدي حالا بيني وبين هذه الفكرة لذا واصلت المسير مع صديقي فريدريش حتى وجدنا أنفسنا على مشارف مبني ضخم يعلوه قبة زجاجية ضخمة، وكلما اقتربنا منه ازدادت ضخامته واختفت قبته. ولما اقتربنا من بوابته الرئيسية ذات الدرج العريض العالي رأينا طابورا طويلا يمتد لمئات الأمتار ويقف فيه الناس ثلاثا أو رباعا خلف بعضهم البعض. سألت صاحبي لماذا هم هنا واقفون؟ فأجاب بأنهم يريدون أن يصعدوا أعلى البوندستاج ليشاهدوا قبته الزجاجية. فقلت له متعجبا كل هؤلاء البشر؟!!
انتابني شعور بالحيرة  فهل أنتظر وأقف في هذا الطابور الطويل ثم أصعد لرؤية القبة الزجاجية أم أكتفي برؤيتها من بعيد؟ قلت لصاحبي إنني أود الصعود فقال لي : إن هذا الأمر يحتاج منك ليوم كامل وأنت تريد أن ترى معالما أخرى. قلت له ألا تود رؤيتها كذلك ؟ فأجاب بالنفي ثم علل ذلك بأنه قد رآها أكثر من مرة وليس لديه الرغبة اليوم. وهنا جائتني فكرة جهنمية. قلت له سأحاول أن أجري التجربة المصرية على هذا الطابور. فقال : وما هي هذه التجربة المصرية في الطابور؟ فأجبته بأنني سوف أذهب إلي مقدمة الطابور وأستأذن الناس هناك معللا بهم بأنني غريب وليس لدي وقت. فنظر إلي فريدريش نظرة لا تخلو من كونها نظرة استغرابية ثم قال : وهل تظن أنهم سيصدقونك؟ قلت له سأجرب، انتظرني وأعدك أنني لن أتأخر.
بخطي بطيئة ومترددة واصلت السير إلى مقدمة الطابور، وقفت بجوار شاب وافتعلت أنني أسأله عن ثمن التذكرة " على الرغم من معرفتي المسبقة بأن الدخول مجاني" وما هي إلا لحظات حتى وجدت الباب يفتح والحراس ينادون " خمسة عشر واحدا فقط" ثم وجدتني أدخل من بوابة التفتيش، ورأيت الحارس يطلب مني حقيبتي ليفتشها ، ثم وجدتني بداخل مبني البوندستاج (البرلمان الألماني). ياالله لقد نجحت التجربة المصرية، وهاأنذا أمام المصعد الكهربائي الضخم الذي سيصعد بنا إلى القبة الزجاجية. لم أصدق نفسي ولم أكن راضيا كذلك عما فعلت!!
وقفت أمام القبة مذهولا، مدهوشا، متعجبا، ومستغربا ولسان حالي يقول " اللهم صلي ع النبي إيه العظمة دي يا برلين" ثم ذهلت ودهشت وتعجبت واستعربت أكثر عندما علمت أنني يمكنني أن أصعد داخل القبة الزجاجية وأصل إلي ما يقرب من نهايتها؛ ففيها ممران مرتفعان أحدهما للصعود والآخر للنزول ويبلغ طول كل مهما 230 مترا ويؤديان إلي ساحة المشاهدة الموجودة أسفل نهاية القبة بسبعة أمتار. وعذرا فليست لدي القدرة على البلاغية على  وصف ما رأيتة من منظر رائع للعاصمة !
تبدو لك القبة للوهلة الأولي وكأنها ليست لها علاقة بمبني الرايخ القديم، الذي يرجع تاريخ بناؤة إلي أكثر من مائة عام، ولكن عندما تكون بداخلها تلاحظ أن عملية الربط بين القبة والمبني القديم قد تمت بحرفية عالية وهذا ما نجح فية المهندس العبقري " نورمان فوستر" فقد حاول من خلال هذه القبة أن يربط بين فنون المعمار في نهاية القرن التاسع عشر وفنون المعمار في القرن العشرين.
 ولا تتعجب ولا تندهش ولا تستغرب إذا ما علمت أن مساحة الألواح الزجاجية المستخدمة في هذه القبة قد بلغت حوالي 3000 متر مربع وهو ما يعادل نصف مسحة ملعب لكرة القدم. وأنك بإمكانك رؤية صورتك بطريقة كاريكاتورية لأكثر من 360 مرة من خلال المرايا الزجاجية التي تتخطي هذا العدد.
علمت بعد ذلك أن قبة مبني البرلمان الألماني تعتبر واحدة من أكبر أماكن الجذبب السياحي في برلين، فأكثر من ثلاثة ملايين زائر يقومون بزيارتها سنويا وطبعا كلهم يحترمون أنفسهم ويقفون في الطابور!!
أردت البقاء لأطول فترة ممكنة ولكني تذكرت أن فريدريش ينتظرني عند مدخل البوندستاج لذا اضطررت لأن أعود من حيث أتيت.
خرجت من باب الخروج وذهبت حيث النقطة التي تواعدنا أن نلتقي فيها، ولكني لم أجده، انتظرته قليلا فلم يأتي، قمت وبحثت عنه ولم اجده، أين ذهبت يا فريدريش؟!

ونلتقي غدا
محمد شحاتة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق