الجمعة، يوليو 20، 2012

من يومياتي في ألمانيا (برلين1)


الأربعاء 3 سبتمبر 2003

....... مضي شهر كامل على بقائي في جوتنجن ولم أعلم مطلقا بأن مكتبة الجامعة تظل مفتوحة الأبواب حتى الثانية عشرة ليلا.. أه لو كنت أعلم ذلك لما تسكعت في الطرقات، ولما ارتميت على المقاهي، ولما تجولت بالدراجة حتى تورمت مؤخرتي واشتدت على عضلات ساقي، ولما اضطررت أن أتوقف مئات المرات أمام إشارات المرور حتى يسمح لى  ضوئها  الأخضر بالمرور... أه لو كنت أعلم ذلك لكنت معتكفا في هذه المكتبة حتى آخر دقيقة، ففيها الانترنت مجانا، والكتب بالآلاف، والهدوء هو السائد والمسود.

 الليلة فقط علمت أن المكتبة مفتوحة حتى منتصف الليل، والسبب هو صديقي جوتس، فعندما سألني متى سأسافر إلى باريس كانت إجابتي " يبدوا أنني لن أسافر إليها هذه المرة يا صديقي، فالوقت ضيق وأرى أنه من الأفضل لى أن أزور برلين؛ فليس من المنطقي أن أكون في ألمانيا ولا أزور عاصمتها "شكلي ها يكون إيه قدام الناس في البلد لما يسألوني عن برلين" وهنا أشار على جوتس بقولة: إذا فلنذهب إلى لوحة الإعلانات في الجامعة فلربما نجد إعلانا عن أحد ما سيسافر بسيارته إلى برلين. فالسفر بالقطار مرتفع التكلفة والسفر مع الأشخاص أرخص بكثير. وافقته وذهبنا إلى تلك اللوحة التى تقف بين لوحتين كبيرتين كلهم مليئون بقصاصات من الورق مدون عليها إعلانات مختلفة،  فهذا يعلن عن حاجته لشقة، والأخر يعلن عن  أن لديه غرفة يريد تأجيرها لمدة معينة، وثالث يريد مشاركته في دورة لتعليم لغة ما و و و...  ولم نجد مبتغانا بين هذه القصاصات، لذا اقترح على جوتس أن نذهب سويا إلى المكتبة ونبحث في الإنترنت علنا نجد أناسا ذاهبين إلى برلين بسياراتهم ومستعدون لاصطحاب غيرهم معهم  نظير أجر رمزي .. وهنا تعجبت من قوله وبادرته قائلا " هو فيه كده في النت" وكان جوابه: بالإيجاب.  فقلت له ولكن كيف؟! ألا تعلم أن الوقت متأخر والمكتبة تغلق أبوابها في السادسة ! قال لي ولكنها تفتح في السابعة وتظل مفتوحة حتى منتصف الليل!!

 ذهبنا سويا وقام بفتح صفحة الإنترنت وكتب عنوانا عرفت بعد ذلك أنه:-(www.mitfahrgelegenheit.de ) ثم بدأ بإدخال البيانات المطلوبة مثل من مدينة جوتنجن إلى مدينة برلين ثم التاريخ والوقت و و و... وهنا أخرج جوتس من حقيبته ورقة وقلما ثم بدأ يدون عليها أرقام تليفونات الأشخاص المستعدين لاصطحاب أناس معهم، ثم أعطاني إياها وقال: عليك أن تتصل بهم وتستعلم منهم عما إن كان لديهم الاستعداد والأماكن أم لا.
عدت إلى غرفتي ولم يكن في الشقة أحد سواي،  فأخذت التليفون وبدأت في الاتصال بكل الأرقام. وكلما اتصلت بواحد منها أبدى لي صاحب الرقم عذرا مختلفا عن غيره.  فقال لي أحدهم: آسف فالمقاعد كلها قد حجزت. وقال لي الآخر: عفوا فلن أسافر غدا. ووجدت تليفون الثالث مغلقا. ولم يتبقى أمامي  سوى رقم واحد فهل سيصيب ؟
 اتصلت بالرجل وأجاب بالإيجاب وتواعدنا أن نلتقي في الغد أمام مطعم ماكدونالدز الذي يقع عى أطراف المدينة ....


الخميس 4 سبتمبر 2003

بدأت يومي بالذهاب إلى مكتبة الجامعة وقضيت معظم الوقت أمام الكمبيوتر أتفحص المواقع الإخبارية العربية منها والأجنيبة وكذلك بريدي الإلكتروني ، ثم جائتني فكرة البحث عن مواقع المساجد في برلين فلربما ترميني الأقدار للمبيت في إحداها أو على الأقل لو ضاقت بي الدنيا سألجأ إليها ... جمعت عددا لا بأس به من عناوين المساجد والأماكن التى يمكنني زيارتها في برلين ثم وجدت أن الساعة قد أقتربت على الواحدة ظهرا فقررت الذهاب إلى المسجد لأداء صلاة الظهر فربما تكون  هذه  هي الصلاة الأخيرة لي هنا؛ فما سأقوم به اليوم هو مغامرة غير مضمونة النتائج ..
صليت الظهر في المسجد ثم ذهبت إلى ( Lidel) وهو سوبر ماركت كبير ومشهور في ألمانيا وهناك اشتريت بعض الأشياء التي سوف أحتاجها في سفري من عصائر وأكل وفاكهة وغير ذلك، ثم عدت إلى البيت فاتصلت بالرجل الذي سأسافر معه اليوم كي أتأكد من أن الأمور تسير على ما يرام وبما أن الاتصالات مجانية فلم أجد أمامي عائقا من أتصل بأستاذي الدكتور " توفيق برج" وأخبره بأنني مسافر الليلة إلى برلين. اتصلت به فأصر على أن أذهب إلي زيارته في هامبورج بعد أن أنتهي من زيارة برلين. والحق يقال أنني لم أرغب في الذهاب إلى هامبورج مرة ثانية فقد كنت أفضل أن أذهب إلى أي مدينة أخري " هانوفر" على سبيل المثال. ولم يكن لي أن أعصي أمرا لأستاذي فقبلت الدعوة.
الوقت يمر بطيئا فما يزال أمامي أكثر من ثلاث ساعات على الموعد المحدد، لذا قررت أن أعود إلى المكتبة. وهناك تحدثت في الشات مع  زميلة الكورس " أوولا" البولندية وكانت قد عادت إلى بلدها، ولما أخبرتها بأنني مسافر إلى برلين قالت لي لا تنسى أن تبعث لي بهدية من هناك ....
جاء وقت صلاة العصر فقررت الذهاب للمرة الثانية إلى المسجد لأصلي، ولما وصلت المسجد وجدت المصلين قد انتهوا لتوهم من الصلاة وبدأوا في الخروج من المسجد، إلا أن شابا يمنيا قد جاء متأخرا مثلي فصلينا سويا العصر وجلسنا لبعض الوقت نتحدث. عرفت أنه جاء للدراسة منذ سنتين وباقي له سنة ليعود إلى وطنه، قلت له يا بختك ها تستني هنا كمان سنة، وعلم منى أنني عائد إلى بلدي بعد أقل من أسبوع.

أعددت حقيبة ظهري ثم استودعت الله في حقيبتي الأخرى  وأغراضي، وأخذت الدراجة متجها حيث أطراف المدينة عند مطعم ماكدونالدز. مررت بمحطة القطار والقيت بنظرات الوداع على مشهد أحب أن أتامل فيه كثيرا وهو موقف الدراجات أمام المحطة "مئات الدراجات المركونه أمام المحطة بأشكالها وألوانها المختلفة المرصوصة كل في مكانها " يا له من منظر يأخذ العقل!. ياليتنا في مصر نستخدم هذه الدراجات. وهنا انتبهت واستعذت بالله من الشيطان الرجيم فأنى لنا في مصر أن نكون مثل شارع من شوارع ألمانيا . واستعذت بالله من الشيطان الرجيم للمرة الثانية لكوني أفكر في هذا الأمر ...

اقتربت من المكان المحدد وأردت ان أركن دراجتي في مكان يسهل الرجوع إليه ويكون آمنا من عبث العابثين ومن سرقة السارقين . وجدت موقفا للدراجات أمام أحد السوبرماركات الكبيرة فركنت دراجتي فيه ووقفت أتمتم ببعض من الأدعية من أمثلة "اللهم احفظ لي دراجتي وردها إلي وردني إليها إلخ إلخ.."

سرت على قدمي حاملا على ظهري حقيبتي وباحثا عن مكان ماكدونالدز. سألت أحد المارة عن المكان فأوصاني أن أستمر في طريقي ففي نهايته يقع مطعم ماكدونالدز، وواصلت المسير لمسافة قصيرة فوجدت لافتة كبيرة مكتوب عليها ماكدونالدز، فاستبشرت خيرا، ولما وصلت إليها ظللت واقفا تحتها، وجاءت السابعة ولم يأت أحد ومرت بعدها خمس دقائق ولم يأت أحد، فبدأ القلق يدب في قلبي؛ فما تعودت من الألمان تأخيرا ولم أعتاد منهم عدم انضباط ، ثم ساورتني الشكوك هل سيأتي الرجل أم لا؟ وماذا لو حدث له مكروه من الذي سيخبرني؟! ياليت معي تليفونا محمولا.. لا حل أمامي سوى الانتظار.
  التفت حولي فوجدت كابينة تليفون في الشارع  وبدون أن أشعر وجدتني بداخلها وأخرجت رقم هاتفه ثم رميت باليورو داخل التليفون  واتصلت فلم يرد أحد ، نزل اليورو من جهاز التليفون الحديدي الكبير فأخذته وأعدته مرة أخرى واتصلت فلم يرد أحد فازداد الشك وازداد القلق. أعدت المحاولة للمرة الثالثة فسمعت صوته فعادت إلى روحي.  قال لي  أين أنت يا محمد؟ فقلت له أنا بجوار ماكدونالدز، وأين أنت؟ قال: وأنا أيضا بجوار ماكدونالدز. فقلت له إذا ثوان وسأكون عندك. وضعت السماعة وبدأت أبحث عنه يمنا وشمالا فلم أجد أحدا. سألت أحد المارة ألا يوجد ماكدونالدز آخر هنا؟  فقال لي لايوجد هنا ماكدونالدز هذه مجرد لوحة للإعلان عن ماكدونالدز. ماكدونالدز يبعد عن هنا حوالي 500 متر ياعزيزي ......

وغدا نلتقي..
محمد شحاتة 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق