السبت، يوليو 21، 2012

يومياتي في ألمانيا (برلين2)


  التفت حولي فوجدت كابينة تليفون في الشارع  وبدون أن أشعر وجدتني بداخلها وأخرجت رقم هاتفه ثم رميت باليورو داخل التليفون  واتصلت فلم يرد أحد ، نزل اليورو من جهاز التليفون الحديدي الكبير فأخذته وأعدته مرة أخرى واتصلت فلم يرد أحد فازداد الشك وازداد القلق. أعدت المحاولة للمرة الثالثة فسمعت صوته فعادت إلى روحي.  قال لي  أين أنت يا محمد؟ فقلت له أنا بجوار ماكدونالدز، وأين أنت؟ قال: وأنا أيضا بجوار ماكدونالدز. فقلت له إذا ثوان وسأكون عندك. وضعت السماعة وبدأت أبحث عنه يمنا وشمالا فلم أجد أحدا. سألت أحد المارة ألا يوجد ماكدونالدز آخر هنا؟  فقال لي لايوجد هنا ماكدونالدز هذه مجرد لوحة للإعلان عن ماكدونالدز. ماكدونالدز يبعد عن هنا حوالي 500 متر ياعزيزي ......


لا أدري ماذا خرج وقتها من سباب لغبائي ولا من توبيخ لذاتي، ووجدتني ألهث بحقيبتي الثقيلة، ويتصبب عرقي، وتعلوا ضربات قلبي حتى كاد أن يسمعها الآخرون.. وبعد مسافة ليست بالقصيرة بدأت أنوار ماكدونالدز تظهر لي بوضوح، وأدركت أني قد وصلت إلى الهدف فتوقفت عن الجري  وبدأت ضربات قلبي  تعلوا أكثر فأكثر وبدأت أسمع أنفاسي وأخذت أجفف من عرقي ..
رأيت من بعيد رجلا يلوح إلي بيديه معلنا عن نفسة وكان يقف بجوار سيارة فخمة من نوع مرسيديس الشهيرة ، فقلت لنفسي " أكيد مش بيشاورلي " تلفت حولى فلم أرى غيري فعلمت أن التلويح كان لي، فرفعت يدي ملوحا له وأسرعت الخطى..
اعتذرت للرجل عن التأخير وأخبرته بأنني وقفت في المكان الخطأ.  فقال لي لا عليك وسألني عما إن كنت أود ان أشتري شيئا قبل أن ننطلق فقلت له لا فلقد جهزت كل شئ.


جلست في الخلف بجوار فتاة في العشرينات وجلس بجوار السائق "عفوا صاحب السيارة المرسيدس" رجلا  في الخمسينيات من العمر وبدأ الإثنان في تبادل أطراف الحديث، وتحدثت مع الفتاة. ولما علمت الفتاة  بأنني مصري أخرجت لي رواية مترجمة للألمانية تحت عنوان " أولاد حارتنا " فقلت لها أوووه نجيب محفوظ .. وأخبرتها بأن هذه الرواية ممنوعة في مصر!!!
بعد قليل أو كثير من الحديث المتبادل بيني وبينها سادت فترة من الصمت فأخذت أقول لنفسي لماذا تمنع رواية مثل هذه الرواية التى حصل صاحبها على جائزة نوبل وترجمت إلى عدة لغات عالمية؟ لماذا يحرمونا من مطالعة أفكار أبناء بلدنا؟ حتى ولو كان بها ما هو ممنوع وماهو محتمل  أن يحمل شرا أو يحمل فكرا شاذا أو جديدا، ألم يسمعوا قول الشاعر:-
عرفت الشر لا للشر لكن لتوقية    ومن لم يعرف الشر من الناس يقع فيه

المسافة من جوتنجن إلى برلين حوالي 450 كيلوا متر. قطعناها في حوالى أربع ساعات ونصف. تخللتها استراحة واحدة في منتصف الطريق دخلت فيها الحمام، ولفت نظري شيئ عجيب ومثير ولا يمكنني أن أتركه دون أن أذكره: فأمام باب الحمام جلس رجل وأمامه منضدة صغيرة طلب مني خمسين سنتا ثمن دخول الحمام، فدفعتها له مضطرا، ولما فتحت باب الحمام رأيت غطا القاعدة ينزل رويدا رويدا وقد غطاه منديل ورقي أبيض اللون، فجلست وقضيت حاجتي وأنا مزوهل مما حدث محاولا إيجاد تفسيرا لذلك. ولما انتهيت من أمري وهممت بالخروج ارتفع غطا القاعدة بهدوء، ونزل الماء، ووجدتني أصيح " ولا سحر ولا شعوذه دي ألمانيا يا هندسة ".  وتذكرت ما حدث في الصيدلية عندما ذهبت لشراء قطرة لعيني وبعد أن أعطيت الطبيبة الروشتة وأخذتها منى وضعتها على اسكانر فوجدت علبة القطرة تنزل وحدها من اسطوانه معلقة في السقف! وساعتها وقفت مذهولا مدهوشا . ثم عرفت بعدها أن الأمر بسيط فقد قامت الطبيبة بتصوير الروشتة من خلال الاسكانر فرآها الموظف في الطابق الثاني وأحضر ما فيها ورماها في الاسطوانه فأخذتها الطبيبة وأعطتها لي..

وصلنا برلين قبل منتصف الليل بقليل وما استمتعت بمناظر الطريق الطبيعية بعد؛  فدخول الليل وحلول  الظلام حالا بيني وبين رؤية جمال الطبيعة على جانبي الطريق ولذلك استسلمت للنوم.


انتبهت من نومتى على صوت السائق "صاحب السيارة" سائلا إياي "في أي الأماكن تريد أن أتوقف لك؟" قلت له بجوار أي مسجد. فلمحته ينظر إلى في المرآة باستغراب ثم قال: مسجد؟! ثم سكت برهة وأكمل بقوله ولكني لا أعرف مساجدا هنا ، أليس معك عنوان محدد؟ عندئذ أخرجت من حقيبتي الورقة التى دونت عليها أسماء المساجد وعناوينها ثم ذكرتها له فقال للأسف كلهم بعيدون عن طريقي وما يمكنني فعله لك هو أن أوصلك إلى أقرب محطة مترو، فوافقت مضطرا وناولته خمسة عشر يورو ثمنا لهذه التوصيلة وهو ثمن أقل ما يوصف به أنه ثمن زهيد مقارنة بثمن تذكرة القطار أو ثمن تذكرة الأتوبيس وأما من حيث السرعة والراحة فلا توجد مقارنة.


نزلنا جميعا أمام محطة المترو، ودعنا الرجل، ووقفت لبرهة أفكر ماذا أصنع. قالت لي الفتاة انتظر فمعي خريطة لمدينة برلين وسأحاول تحديد الأماكن التى تقع فيها المساجد التي معك عناوينها، وبدأت تظلل على الخريطة، ثم أعطتها لي كهدية وانصرفت.  نزلت سلالم المترو مع الرجل الذي كان يجلس بجوار صاحب السيارة والذي بدأ يحدق النظر في وجهي  ثم سألى: هل حقا ليس لديك سكن هنا في برلين؟ قلت له لا ليس لدي سكن، وهذه هي أول مرة لي هنا. فسكت قليلا ثم قال: ما رأيك لو أتيت معي الليلة لتبيت عندي؟ وافقته على الفور دون أن أسألة أيه أسئلة من قبيل" ما ،وماذا، ولماذا، وكيف، ولعل، ولربما ولظن" فلقد كان همي الأوحد هو أن أبيت والسلام.
ركبنا سويا مترو الأنفاق متجهين للحي الذي يسكن فيه والذي يسمي "جروناو" Gruenau  وظللت أشكر الرجل حتى مرت الثلاث محطات وحتى خروجنا من المترو، بعدها ركبنا الترام الذي يسير فوق الأرض، ولأن الوقت كان متأخرا فلم يكن من أحد سوانا في العربة التي هي واحدة من ثلاث عربات هي كل القطار. ولقد لفت نظري أن السائق يعرف إذا ما كان هناك من أحد يريد أن ينزل من العربة أم لا دون أن يقول له أحد ودون أن يسأل هو أحد ، على عكس ما نفعل هنا في مصر في الميكروباصات وحتى الأتوبيسات "على جنب يا اسطي أو فيه حد نازل؟ ".  و تبين لي بعد ذلك أن من يريد النزول في محطة ما عليه فقط أن يضغط على زر بجوار الباب فينتبه السائق أن هناك من يرغب في النزول فيتوقف له.
وجاءت محطة نزولنا، فنزلنا. أخبرني "فريدريش" أننا لن نذهب مباشرة إلى شقته والتى تبعد محطتين عن هذه المحطة، وذلك لأنه ترك مفتاح الشقة عند صديق له وعلينا أن نذهب لإحضاره.
كانت إضاءة الشوارع ضعيفة جدا ولذلك لم أستطع التمييز في أي الأماكن كنا نسير. لا أحد يسر معنا ولم نقابل أحدا . المنطقة أشبه ما تكون بمنطقة فيلات أو مساكن لكبار السن. دخلنا من مدخل المنزل ثم انحرفنا يمنا في ممر طويل ثم صعدنا بعد ذلك إلى الطابق الثالث. كان الرجل في انتظارنا رجل طويل ووسيم تشبة وسامته النجم المصري العالمي عمر الشريف. رحب بنا الرجل بكلمات مقتضبة ثم دخل غرفة بها ثلاث كراس موضوعة حول منضدة صغيرة قصيرة موضوع عليها شمعة وحيدة مهمتها إضاءة الغرفة بأكملها. بالكاد كنا نرى بعضنا البعض. أحضر الرجل زجاجة من البيرة أو الخمر لا أدري، ثم عرض علي فرفضت وشكرته، وعرض على فريدريش كأسا فقبله. ولم يمض وقت يذكر حتى هممنا بالإنصراف معللين ذلك بتعب السفر وخوفا من أن يفوتنا آخر ترام
عدنا من حيث أتينا وانتظرنا قليلا حتى جاء الترام فركبناه، وما هي إلا محطتين حتى نزلنا. ترجلنا بعدها حوالي عشرة دقائق في منطقة كلها فيلات، وأمام كل فلة حديقة صغيرة وإضاءة خافته. وصلنا إلى منزله والذي هو عبارة عن دور أرضي في بيت من طابقين. أثاث الشقة بسيط للغاية، ففي الصالة يوجد منضدة وحولها مجموعة من الكراسي ،وبجوارها كنبة صغيرة. وفي زاوية الشقة يقع الحمام، وبجوارة غرفة أظنها غرفة نوم ، ويوجد بجوارها غرفة أخرى بابها زجاجي عريض مكون من أربعة ضلف ويسهل على من  بالخارج أن يرى من بالداخل 

ما أن وضعت حقيبتي حتى استأذن فريدريش أن يذهب إلى الحديقة ليحضر شئيا على وجه السرعة أذنت له، وما هي إلا دقيقتين حتى عاد حاملا في يديه نباتا أخضرا ولا حظت على جهه اتسامة عريضة. سألنى هل تعرف هذا النبات؟ أخذته منه وشممته ثم رددته إليه قائلا: لا ، لا أعرفه. فقال لي هذا هو نبات الحشيش.

وغدا نلتقي
محمد شحاتة 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق