أردت البقاء
لأطول فترة ممكنة ولكني تذكرت أن فريدريش ينتظرني عند مدخل البوندستاج لذا اضطررت
لأن أعود من حيث أتيت.
خرجت من باب
الخروج وذهبت حيث النقطة التي تواعدنا أن نلتقي عندها، ولكني لم أجده، انتظرته قليلا
فلم يأتي، قمت وبحثت عنه ولم اجده، أين ذهبت يا فريدريش؟!
مضى حوالي ساعة إلا ربع وأنا منتظرك يا فريدريش، أرجوك لا تدعني وحدي! ترى أين ذهبت يا فريدريش؟ هل تأخرت عليك أم أنك ظننتني لن أنجحح في الصعود؟ أين أنت الآن يا فريدريش؟!
الوقت يمر سريعا وليس أمامي سوى هذا النهار كي أرى فيه معالم برلين. ترى هل هذه عقوبة عدم وقوفي في الطابور؟ ومن الذي يعاقبني هل هو فريدريش أم الله؟؟ استغفرت الله لذنبي ثم تركت لساقي العنان كي تختار في أي الطرقات تسير.
وجدتني أقف على رأس شارع طويل على جانبيه أشجار كثيفة وفي نهايته عمود طويل قمته برونزية أو نحاسية تلاعبها أشعة الشمس فتعكس شعاعا لا تستطيع عينك مقاومته. عرفت بعد ذلك أنه شارع 17 يونيو الذي يتجمع فيه الآلاف من البشر في كل عام يتحفلون فيه بالمناسبات المختلفة مثل الاحتفال بوحدة ألمانيا أو بالاحتفال بأعياد رأس السنة . وقد سمي هذا الشارع بذلك الإسم إحياء لذكرى الثورة التي قامت في شرق برلين في 17 يونيو من سنة 1953 ضد الشيوعية.
ومن دون أن أجهد نفسي في التفكير فقد قادتني قدماي كي أسير في هذا الشارع الطويل متجها جهة العمود الطويل الذي قمتة برونزية ، ولما وصلت إليه تبين لي أنه عمود النصر( بالألمانية Siegessaeule) وهو النصب أو العمود الأشهر في برلين وقد قام بتصميمه المهندس " هاينريش ستراك" في سنة 1864 تخليدا لذكرى الانتصار البروسي في الحرب البروسية الدنماركية. وبعد عشر سنوات من البدء في بنائه تم افتتاحه في الثاني من يونية سنة 1873، ويعلو هذا العمود تمثالا برونزيا كبيرا وجميلا للملكة فيكتوريا ، وارتفاعه حوالي 8.3 مترا ويزن حوالي 35 طنا.
افتقدتك يا فريدريش وافتقدت شرحك السهل البسيط " والغزير بالمعلومات" آسف لك يا صديقي لأني تركتك، سامحني.
ألقيت حقيبتي على الأرض ورميت بجسدي فوق الحشائش الخضراء وسط الأشجار ذات الأوراق العريضة التى لا أعرف لها نوعا ولا إسما ، ثم أغمضت عيني ولا أدري قد نمت أم لا. ولو كنت قد نمت فكم مر من الوقت ، لا أدري، وما أذكره جيدا هو أنني بعد أن فتحت عيني وجدت منطادا كبيرا يرتفع فوقي وسط السماء الصافية، مكتوب عليىه" فيلت بالون" (بالألمانية: Welt Baloon) فاعتدلت من نومتي ثم عاودت النظر إلى السماء فوجدت أكثر من منطاد يسبحون فيها. تمنيت لو كنت في واحد من هذه المناطيد فمنها يمكنني أن أرى برلين مرة واحدة وبدون مرشد ومن دون إجهاد. قلت لنفسي وكيف لي أن أرى ما بداخل المتاحف التي أود زيارتها. انتبهت متاحف؟! لذا قمت من فوري وحملت حقيبتي ثم انطلقت.
كنت قد علمت وأنا في جامعة جوتنجن أن بإمكان المرء في برلين أن يدخل ستة متاحف في يوم واحد بتذكرة واحدة والتى ثمنها ستة يوروهات، وسأحاول اليوم معرفة ما إذا كانت هذه المعلومة صحيحة أم لا. وهنا سألت أحد المارة كيف يمكنني الذهاب إلى المكان الذي توجد في المتاحف، فأخبرني بأنها توجد في مكان يسمي بجزيرة المتاحف وهو لا يبعد كثيرا عن هنا ويمكنني أن أذهب إليه بالمترو أو بالترام.
الحق يقال بأن النشاط والقشعريرة اللتان كنت أشعر بهما بعد قرائتي للورقة الصغيرة عن برلين قد بدأتا في الخفوت والسكون، وبدأ الكسل يدب في جسدي وجدتني لا أريد أن أواصل المسير، فأين أنت يا فريدريش وقد ذهبت وأخذت معك قوتي؟!
تذكرت أن معي تذكرة للمترو وتصلح أيضا للترام ولكن هناك مشكلة فصلاحيتها قد انتهت منذ نصف ساعة. ياللحظ!! إذا على أن أشتري تذكرة جديدة. وقفت عند محطة المترو وأردت أن أشتري تذكرة أخرى فجائني الشيطان وبدأ يوسوس لي.
إبليس:- أنت معك تذكرة بالفعل ولو سألك أحد ( دا لو حصل يعني) فقل له إنك لم تلاحظ ذلك، وأنك غريب.
نفسي:- لا لا حرررررام
إبليس: إيه اللي حرمة بس يعني هي جت عليك؟
نفسي:- الألمان ما بيهزروش ولو اتمسكت ها اضطر إني أدفع أربعين يورو. لا ياعم أنا ها اشتري تذكرة أحسن.
وفجأة توقف المترو أمامي وفتحت أبوابه ولم أشتري التذكرة بعد، فقد شغلني جدالي مع الشيطان حتى جاء القطار. ولما سمعت صافرة الأبواب تنذر بالإغلاق وجدتني أرمي بنفسي داخل المترو وما هي إلا ثوان حتى وجدت رجلا يرتدي بدلة سوداء من دون كرفتة يقترب مني ويسألني: هل يمكنني أن أرى تذكرتك؟!
ونلتقي غدا
محمد شحاتة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق