الأربعاء، أكتوبر 21، 2015

تونس الخضراء 1


أجلسني الشرطي فوق كرسي مبطن من الجلد الأسود، وبدا عليه أنه يبحث عن شئ ما، فتح الشرطي درج مكتبه وأغلقه بسرعة، أمسك بفارة الكمبيوتر فأدرك أن الكمبيوتر مغلق، ترك الفارة ثم غادر الغرفة سريعا وتركني وحدي.
لم أكن أتخيل أبدا أن يكون مصيري هذا المكان، ولم أكن أتخيل أبدا أن أعامل بمثل هذه المعاملة في بلد طالما اشتقت لزيارته. مرّ أمام عينى شريط مليئ بالمصاعب والمتاعب والمعاملة الغير آدمية، شريط بدأ برفض القنصلية إعطائي الفيزا، وياليتها اكتفت بالرفض بل زادت عليه بأن قام موظفها بتقطيع الإيصال أمام عيني. شريط به مشاهد مروعة لأحداث مثيرة، تعلو فيها الموسيقى التصويرة فتزداد معها دقات القلب، وتظهر معها علامات اضطراب الجسد من توتر وعرق.
لن أنسى مشهد توقيفي وصديقي التونسي غسان أمام المتحف الإسلامي برقّادة بالقرب من القيروان، و لن أنسى المشادة الكلامية التى حدثت بسببي بين صديقي محمد رباح وفرد الأمن بقرطاج بجوار متحف الحوت، وكذلك صدمتى وقت أن أخبرني بائع السمك بسوسة أن نقودي الورقية من فئة العشرة دنانير لم تعد متداولة، وحتى مشهد محاولة خداعي من قبل عاطلين بشارع الحبيب بورقيبة أمام باب البحر لن أنساه، ويبدو أنني لن أنسى كذلك مشهدي هذا حيث مركز شرطة شارل ديجول بالعاصمة التونسية!
عاد الشرطي وبيده ورقة بيضاء وقلم، جلس أمامي، كان يرتدي تيشرتا أزرق به خطوط عرضية سوداء، لا أدرى لماذا تذكرت ضابط المباحث المصري الذي مرّ علينا ذات ليلة ليقبض على ذلك البلطجي العنيد الذي أراد أن يستولي على شقة جاري، ثمة وجه شبه لم أستطع تحديده، ربما لون التيشيرت!
-         ما الذي جاء بك إلى تونس، ولماذا قمت بتصوير محطة القطار؟
-         جئت لحضور مؤتمر في سوسة، وعندما انتهى المؤتمر...  وسمعت نغمة هاتفي ترن، نظرت إلى الشرطي وأشرت إلى الهاتف وقلت: هل أرد؟ أجاب بإيمائة من رأسه  أعقبها بقوله: رد!
كان الإسم المكتوب على الشاشة "منير تونس"، لم أسمعه جيدا، قلت له: منير لا أسمعك ولكني في مركز شرطة شارل ديجول. لم يرد، وانقطع الاتصال.
أردت أن أعيد هاتفي مكانه في جيبي، إلا أن شرطي آخر أخذه مني وجلس على كرسي بجوار الباب وبدأ يعبث فى محتوياته!
-         لم تجب، لماذا قمت بتصوير محطة القطار؟ سأل الشرطي.
-         لم أعرف أن تصوير محطة القطار ممنوعا، وعلى كلّ فيمكننى حذف الصورة.
وسمعت نغمة هاتفي تعلن عن اتصال جديد، مدّ الشرطي يده بالهاتف كي أرد، كان رقما أرضيا، أعرفه، إنه للسفارة الألمانية بتونس حيث تعمل أروى. لم تسمعني أروى ولم أسمعها، كانت الإشارة ضعيفة جدا، وكنت متوترا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق