الخميس، أكتوبر 22، 2015

تونس الخضراء 2


تونس الخضراء، اسم كلما سمعته انشرح صدري، ودق قلبي، وابتسم ثغري. فرحت كثيرا عندما بعث لى دكتور عاصم حفني بدعوة لحضور مؤتمر في مدينة سوسة بتونس عن الدين والسياسة بعد الثورة، اجتهدت كي تكون مشاركتي إيجابية، فشرعت بكتابة ورقة بحثية عنونتها بـ "الإسلام السياسي في ظل التغيرات التي طرأت على الربيع العربي، مصر نموذجا"، ولما حان وقت تقديم أوراقي للحصول على تأشيرة، اتصلت بالقنصلية وسألت عن الأوراق المطلوبة، فوجدتها سهلة وفي متناول اليد، فقط صورة من جواز السفر، وصورة الدعوة إضافة إلى صورة من حجز الطيران. كما أن القنصلية مفتوحة طوال أيام الأسبوع ما عدا السبت والإثنين والجمعة.
وفي الأول من سبتمبر وقبل موعد المؤتمر بشهر وأربعة أيام كنت أقف أمام موظف القنصلية وأوراقي كاملة. أخذ الموظف أوراقي ثم أعطاني إيصالا وقال: يمكنك أن تمر علينا بعد عشرة أيام. نظرت في يدى فرأيت جواز سفري، سألته: ألا تحتفظون بجواز السفر؟ أجاب: أحضره معك، فإن جاءت الموافقة أخذناه منك وأعطيناك التأشيرة! و من الخلف جاءنى صوت يقول: لا تصدقه فلن تأتي التأشيرة قبل أسبوعين!
وبعد عشرة أيام كنت أقف مع الواقفين في ممر ضيق مغطى بألواح من الصاج تدلت منها مروحة تدور وحدها بلا أدنى جدوى، فحرارة الجو لن تؤثر فيها عشرة مراوح من نوع تلك المروحة، ورأيت الناس يزدحمون حول باب القنصلية المفتوحة إحدى ضلفه، فلما اقتربت منهم أدركتنى لفحة من هواء بارد، لا شك أنها قادمة من جهاز تكييف بالداخل.
في هذا اليوم التقيت بالدكتور سعيد فارس، المشارك في نفس المؤتمر، وهو رجل دمث الخلق، هادئ الطبع، طويل البال، قدم أوراقه إلى السفارة بعدي بيوم واحد، وقيل له نفس ما قيل لي، تعالى بعد عشرة أيام.
في هذا اليوم لم نحصل على الموافقة، وعدنا أدراجنا ملتمسين لهم العذر، فالوقت وقت صيف تكثر فيه الأسفار والمؤتمرات، إلا إننا لم نعد نلتمس لهم أي عذر بعد أن مرّت أربعة أسابيع على استلامهم أوراقنا، وبعد أن ذهبت إليهم خمس مرات أسأل عن التأشيرة من دون جدوى. وفي المرة السادسة رأى الموظف أن يخفف عني عناء السفر ومذلة السؤال؛ فقام بتقطيع الإيصال أمام عينيى وهو يقول: مرفوض! لم تضايقنى الكلمة بقدر ما ضايقني تقطيع الإيصال، تلك الحركة الغبية التي تمنيت لو لم يفعها! فقط أردت أن أحتفظ بشئ من تونس!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق