في داخل القنصلية كان الجو لطيفا؛ فالبرودة المنبعثة من جهاز
التكييف قد أحالت المكان إلى فردوس، الأمر الذي انعكس بدوره على حديثي إلى موظف
القنصلية، فجاء حديثا هادئا رغم ما واجهناه في الخارج من معاملة أقل ما توصف بالسيئة.
طلب مني الموظف أن أستريح حتى ينتهي الأستاذ عاطف من
أعماله، فجلست. مرّ بعض الوقت، سمعت فيه حديث من هم بالخارج، شكوى متكررة من سوء
المعاملة، شجار مع موظف القنصلية أحيانا ومع بعضهم البعض أحيانا أخرى.
طال بي الانتظار، فهممت أبحث عن الأستاذ عاطف، وكلما دخل أحد
القاعة سألته هل أنت الأستاذ عاطف؟! حتى أجاب أحدهم بكلمات مقتضبة: نعم، حاضر،
انتظر.
عدت حيث أجلس فجاء رجل وجلس بجواري، بدا عليه أنه ليس مصري،
علا صوت من هم بالخارج، شجار حاد، فار معه دمي، ووجدتنى أتحدث إلى الرجل بكلمات لم
أتبينها إلا فيما بعد: هل هذه تونس؟ تونس التي طالما أحببناها، تونس الثورة، لقد
كنا دوما نقول: الإجابة تونس....! وما أن أنهيت حديثي إليه أو كاد حتى جاء موظف
القنصلية وأشار إلى الرجل بقوله: تفضل معالي السفير!
ساد الصمت المكان، أو هكذا بدى لى، فلم أعد أسمع شيئا، ولم
أعرف كم مر من الوقت، حتى جائني الأستاذ عاطف طالبا مني جوازات السفر وثمن
التأشيرة وأخبرني أن نعود إلى بيوتنا وسيتصل هو بنا حال ورود الموافقة.
خرجت إلى الزملاء وأخبرتهم بما حدث، ووعدتهم بأن أتصل بهم
وقت أن يجدّ جديد. وانتهى النهار بطوله والليل بعرضه ولم يجدّ جديد، وفي اليوم
التالي قررت ألا أذهب إلى القنصلية، فقد أحسست أن ماء وجهي سينضب لو ذهبت إلى
هناك. ويبدو أنني كنت محقا في قراراي هذا، ويبدو أننى كنت العقبة أمام أخذ
التأشيرة، ففي اليوم الذي لم أذهب فيه حصلنا جميعا عليها رغم أنني مقطوع الإيصال!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق