الأربعاء، فبراير 24، 2016

تونس الخضراء 54


بعد تلك الواقعة وذلك الشجار لم يعد لنا مكان في قرطاج، لذا انطلقنا سريعا إلى سيدي بوسعيد، وما أدراك ما سيدي بوسعيد، إنه الجمال والهدوء، إنه الصفاء وراحة البال. بيوت بيضاء بياض اللبن، أبوابها زرقاء زرقة البحر، أزقتها مرصوفة بعناية، طرقاتها ملتوية التواء الثعابين، لا تقع عيناك فيها إلا على الجمال، جمال على جمال، ورعة على روعة.
ما هذا الجمال يا رابح؟
لم يرد رابح على سؤالي، فقد كان مشغولا بالرد على الهاتف، مع من تتحدث يارابح؟
-         عما قريب ستعرف.
جاءت إجابة رابح مقتضبة، فقد أراد أن يريني شيئا خطف معه عقلي وسبح فيه وجداني، يا إلهي!
-         هذا هو الميناء. قال رابح.
-         واوووو، تنهدت في انبهار.
كنا نرتفع عن سطح الماء بأكثر من ثلاثمائة متر، كان المنظر غاية في الروعة، ميناء على شكل قوس، ترسوا به مراكب بيضاء تحيط بها زرقة المياه الصافية، ما أهدأ بال هؤلاء الذين يحتسون قهوتهم فوق هذه الإطلالة الرائعة الجمال، وما أسعد أصحاب هذا المقهى وما أغناهم!
توجهنا بعد ذلك إلى مسجد سيدي بوسعيد لنصلي الظهر والعصر ونشكر الله أن منحنا عينا نرى بها جمال خلقه، كان المسجد على ربوه يصعد إليها المصلون عبر سلالم، ثم يتجهون يمينا حيث مقبرة سيدي بوسعيد. يحب أهل تونس الأولياء ويزورونهم.
بعد الصلاة جلسنا في مقهى "العالية" أقدم مقاهي سيدي بوسعيد، الجلوس في هذا المقهى على مصاطب عريضة، تكسوها حصر نباتية مطلية بألوان الأحمر والأخضر، و كذلك أعمدة المقهى ملفوفة بهذه الحصر. رأيت هذه الحصر كثيرا في المساجد القديمة وأضرحة الأولياء، يقال أنها مصنوعة من نبات يسمى "السمار" وينمو في مناطق مختلفة في جنوب تونس.
شربت في مقهى "العالية" شايا بالبندق، ما أطعم هذا الشاي وما أغلاه، وما أروع الجلوس في هذا المقهى.

ما أن خرجنا من المقهى حتى كانت المفاجأة، التقينا بصديق تونسي مشترك تعرفت عليه منذ ثلاث سنوات في القاهره، إنه المهندس "أسعد"، كيف حالك يا رجل؟ ما أجمل تونسكم!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق