فيما بعد جاءت
تنقلاتنا وانتقالاتنا سريعة، فمن ماض بعيد حيث الآثار الرومانية المتوغلة في القدم،
إلى ماض قريب حيث المقابر الأمريكية رائعة الجمال، ثم إلى الحاضر حيث قصر الرئاسة،
وشاطئ قرطاج، والميناء البحري، ومتحف الحوت، وعند متحف الحوت بدأت تقل وتيرة
السرعة شيئا فشيئا حتى تلاشى معها الوقت وظهر فيها العدم بوضوح، والسبب يكمن في
هذه الواقعة، إذ عندما هممت بالتقاط صورة للهيكل العظمي الضخم للحوت المعروض داخل
فناء المتحف إذ هبط علينا رجل يصرح بأعلى صوته:
-
ممنوع، ممنوع!
-
آسف لم أكن أعرف.
-
سامحني يا أخي، إيه الممنوع؟ تساءل رابح في امتعاض!
-
ممنوع التصوير هنا.
-
ولماذا؟
-
هنا ثكنة عسكرية؟
-
أين؟
-
هناك، أنظر!
-
ولكن الأخ المصري لم يصور سوى الحوت، ثم قل لي إذن، من أنت؟
-
أنا مواطن تونسي؟
-
أهلا وسهلا، وأنا أيضا مواطن تونسي، وأحب بلدي وأغار عليه!
احتد النقاش بين صاحبي والرجل، وعلت الأصوات، ولم أعد أفهم ما يقال،
ورأيت من واجبي أن أتدخل سريعا قبل أن يصل الأمر إلى العراك، فأخذت رابح من يديه
وقلت للرجل: سامحني يا أخي لم أكن أعرف أن التصوير في هذا البلد ممنوعا، وانطلقنا.
ساد الصمت بيني وبين رابح
لفترة، ثم قطعة رابح بقوله: لعن الله الإرهاب، فقد سمح للشك أن يتوغل بيننا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق