لم تكن قرطاج هي المحطة
الأولى التي وقف عندها محرك سيارة مرشدي وصديقي رابح، بل توقفنا في إحدى ضواحي
العاصمة تونس، كانت ضاحية متوسطة الحال،عمرها يقترب من الخمسين عاما، رأيت ذلك في
شقوق جدران بعض البنايات، وفي تهالك الأرصفة، وأيضا في حجم وارتفاع الأشجار. نزل
رابح من السيارة، وتركني وحدي أنصت إلى إذاعة الزيتونة للقرآن الكريم. في تونس
إذاعة للقرآن الكريم، حقا؟ تساءلت.
عرفت فيما بعد أن هذه الإذاعة
تم افتتاحها في سنة 2007، وبالتحديد في الأول من شهر رمضان المبارك، وقد حققت هذه
الإذاعة نجاحا كبيرا وقت افتتاحها، وهي الآن من الإذاعات الأكثر سماعا في تونس.
مر أكثر من نصف ساعة ولم يأت
رابح، استمعت إلى برنامج يفسر القرآن الكريم، وآخر ينطق باللغة الإنجليزية، وبدأ
البرنامج الثالث ولم يأتي رابح؟ أين أنت يا رابح؟ هل أتصل به؟ لقد أخبرني أنه لن
يتأخر، قال أنه سوف يقضي شيئا سريعا ويعود؟ أين أنت يا رجل؟
-
ها
أنذا، انزل لنشرب القهوة، فقد أصر أهل البيت على ضيافتك؟
-
ضيافتي؟
وهل يعرفوني حتى يضيفوني؟ ومن هم أصلا؟
في الطريق إلى بيت
مضيفيّ الذين لا أعرفهم ولا يعرفوني، أخبرني رابح، أنه يعرف هذه العائلة منذ زمن؛
فهم أبناء قرية واحدة، تقع في وسط تونس، تعرّف عليهم عندما قدم إلى العاصمة، وعندما
توفى الله رب العائلة تاركا زوجة وابنتين وولد، أصبح رابح كثير الوود لهم، يساعدهم
إذا احتاجوا مساعدة، وينصح لهم إن أرادوا نصيحة، وهو اليوم قد أحضر لهم عاملا يصلح
لهم ما أفسده الدهر.
-
أهلا
وسهلا أيها المصري، تفضل!
-
شكرا
جزيلا، زاد الله فضلكم، شكرا على الدعوة!
-
كم
مكعب من السكر تريد؟
-
ثلاثة.
كانت إحدى ابنتي صاحب البيت
هي من تقدم لي القهوة، كانت في عقهدها الثالث، الحزن باد على وجهها، وعلى المكان
أيضا، صورة أبيها معلقة على الحائط مزينة بالورود، شعرت بالبرد فجأة، فالحزن يبعث
على البرد، والحزن معدي، والسعادة أيضا. رحم الله الجميع!
لم تستغرق المسافة من تونس
العاصمة إلى قرطاج سوى نصف المدة التي قضيناها في الزيارة، مررنا خلالها بمطار
قرطاج الدولي، ثم بمنطقة تسمى ضفاف البحيرة، قال رابح إن هذه المنقطة لم تكن سوى
مستنقعات كبيرة، تحولت في بضع سنين إلى مدينة عالمية، بها فنادق فخمة، ومراكز تسوق
متطورة، وأبنية سكنية على أحدث طراز، وملاهي، والأهم من ذلك هو أن الخمور في هذه
المنطقة ممنوعة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق