الثلاثاء، مارس 01، 2016

تونس الخضراء 55


تجولنا ثلاثتنا (رابح، وأسعد، وأنا) في أماكن كثيرة من مدينة سيدي بوسعيد الرائعة، دخلنا دار العنابي وهي دار قديمة لمفتي تونس الأسبق، بها صحن أندلسي غاية في الروعة والجمال، وبها مكتبة تجمع كتب قديمة وصور نادرة. أعلى سطح الدار كان الأجمل بالنسبة لي، فمنه يكمنك أن ترى إطلالة رائعة على المدينة بأكلمها، جمال على جمال وروعة على روعة.
كنت أود لو طال بنا ضوء النهار قليلا، حتى ترى عيناي كل شئ وتستمتع به، إلا إن لله سنن لا تتغير، وسنن الله دوما جميلة، فمع حلول الظلام كنا قد حللنا في مكان آخر، مكان لا يقل روعة وجمالا عن روعة وجمال سيدي بوسعيد، إسمه المرسى، وهو عبارة عن منطقة سكنية ساحلية، مقسمة إلى ست مناطق، كل منطقة تحمل اسم "مرسى" (مرسى النسيم، مرسى السعادة، مرسى فيل، مرسى الشط، مرسى التوتة، ومرسى الصفصاف). كانت محطتنا الأولى هي مرسى الصفصاف، فيها صلينا المغرب والعشاء، ثم تناولنا طعاما تونسيا لا أذكر له اسما، كان عبارة عن بيض مسلوق في الزيت، وكان جلوسنا في مقهى شهير يحمل اسم المكان "الصفصاف"، به بئر قديمة أشبه ببئر بروطة في القيروان، إذ كان الجمل هو من يستخرج منه الماء، ذلك الجمل المغربي الأحمر الذي نجوت من فمه بأعجوبة، فعندما اقتربت منه ليلتقط لنا رابح صورة، إذ بي أشعر بشيء من اللزوجة يتساقط فوق رأسي، ثم سمعت أصواتا تصرخ، ابتعد، ابتعد!
في مقهى الصفصاف التقينا بالدكتورة فاتن وصديقتها الدكتورة بسمة، فاجأتني الدكتورة فاتن إذ أخبرتني أنني كنت ضيفا في بيتها صباح اليوم. أحقا؟ تساءلت.
كانت هي أخت السيدة التي استضافتني ورابح وقدمت لنا القهوة، كان حزن فراق الوالد لا يزال باديا على وجهها هي الأخرى، وكانت هناك محاولات عدة من صديقتها لتبديد ذلك الحزن. ترى هل يمكن للحزن يوما أن يباد؟ وماذا لو كانت هذه الدنيا بلا أحزان!
كانت أمسية رائعة، وكانت الصحبة هي الأروع، وسامحني قارئي العزيز، فقد استخدمت كلمة "رائع" ومشتقاتها أكثر من مرة، وعذري أنها الكلمة الوحيدة التي يمكنها أن تعبر عن روعتي وما رأيته من روائع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق