الخميس، فبراير 11، 2016

تونس الخضراء 51


كانت الثانية عشرة ظهرا وقت أن وصلنا قرطاج، وكانت محطتنا الأولى هي أعلى قمة في قرطاج، هضبة بيرسا، حيث المتحف الوطني، الذي اختارت له الحكومة التونسية موقعا فريدا يخطف الأبصار، وتطير من أجله العقول، فعلى مد البصر مناظر طبيعية خضراء، غنّاء، تتخللها منحدرات متدرجة، وسهول منبسطة، ويشقها خليج طويل تنتهي إليه بحيرة زرقاء صافية، ما هذا الجمال! وما هذا السحر! لقد أحسنت (إليسا/ عليسة) الإختيار.
وبلا شك فقد أصابت قصور ومعابد وأبنية هذه المدينة العتيقة الكثير من الخراب، مثلها في ذلك مثل كثير من البلدان، فالخراب قد بات سنة من سنن البشر، كلٌ يهدم كلٌ، وكلٌ يطمس معالم كلٌ، ماذا لو بقيت هذه الآثار؟ تساءلت.
-         ساعتها لن نكون في حاجة لنطلق عليها اسم "آثار". أجاب صاحبي.
-         دوام الحال من المحال، ولو دامت لغيرنا ما وصلت إلينا! عقّبتُ
 بعد المتحف الوطني نزلنا المنحدر، فمررنا بأعمدة رومانية قديمة، ثم بغرف حجرية تهدمت، قال لي صاحبي إنها حمامات رومانية، اكتشفت في أربعينيات القرن الماضي، وتبين أنها وصلت في فخامتها وتطورها حدا لا يمكن تصديقه.
 كنا نسير بسرعة كبيرة، إذ كانت سيارتنا تهبط المنحدر، وكنت أود لو كانت سيارتنا هذه حمارا أو جملا، حتى تتمكن عيناي من الاستمتاع بما تراه من جمال أكثر وأكثر؛ فجمال الطبيعة لا يضاهيه عندي جمال، ورأيتني أردد بيت شعر أحفظه، رحم الله قائله:
إلهي شاقني هذا الوجود
فذي الدنيا فما بال الخلود
نعم، فذي الدنيا بجمالها وبهائها وطبيعتها فما بالنا والخلود؟! كنت أهيم كالسكران، تراني قد ذهب عقلي، أم أصابه الدوار؟! ماذا لو توقفت قليلا يا صديقي!

توقف صاحبي رابح عند منعطف من المنحدر، كان العشب يغطي جانبي الطريق، وكانت ذراعه تجذبني بشدة كي أعبر الجانب الآخر، يا إلهي، ما هذا الذي أراه يا رابح؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق