(13)
وقد يجمع الله
الشتيتين بعدما * يظنان كل الظن أن لا تلاقيا[1]
عندما
تأكد لي نبأ سفرى إلى المملكة أرسلت برسالة قصيرة إلى صديقى المغربي عبد الرحيم
السعدي أخبره فيها بقدومي، وكتبت إليه ما يلى:
" عزيزي
الحبيب عبد الرحيم، تحية طيبة وبعد؛
.... وأخيرا
استجاب الله دعوتى ومنحنى زيارة إلى بلد أوليائه وأصفيائه.. سأزور بلد ابن بطوطه وعبد
الرحيم السعدي، رحم الله مجنون ليلى عندما قال: وقد يجمع الله الشتيتين بعدما * يظنان كل الظن أن لا
تلاقيا، أتمنى أن نلتقى"
وجائنى رده سريعا:
"يا أهلا وسهلا...
والله يا محمد أفرحتني بخبرك، متى ستأتي؟ وفي أي مدينة ستحل؟ يا مرحبا يا
مرحبا"
وكان
جوابي:
"سآتى بإذن
الله في الخامس والعشرين من شهر مايو الجاري.. وستهبط الطائرة أول ما تهبط
في الدار البيضاء في حدود الواحده والنصف ظهرا، ثم سنبقى في هذه المدينة الطيبة لنحو
أربع ساعات، بعدها سنتطير إلى العاصمة، حيث سنبقى فيها لأربعة أيام
أخر... الرحلة هدفها حضور مؤتمر، سأكون سعيدا - لدرجة لن تصدقها- إذا ما تمكنت من
رؤيتك!"
وكان جوابه:
"أخي محمد، طبعا
سأسافر إلى الرباط لرؤيتك؛ فكيف بالله عليك لا أراك، و أنا ملزم لتجديد البيعة
لأمير موقعة برلين؟!"
إنه عبد الرحيم
السعدي، شاب على مشارف عقده الثالث، يدخل قلبك سريعا من دون استئذان، رؤيته تبعث
على السرور، لغتة الفصحي – اذا ما تحدث بها- تسحرك، له قدرة عجيبة على اختيار
ألفاظه بعناية، محب للحياة، مغامر، قال لي ذات مرة: إن أعظم نعم الله عليه عندما
يستيقط في الصباح ويدرك أنه لايزال حيا!
لم أصدق أننى سألتقى
به ثانية حتى رأيته يدخل من باب الفندق، قفزت إليه سريعا، تعانقنا طويلا، ثم
بادرني بقوله:
-
أنت كما أنت، لم تغيرك الأحداث؟
-
وأنت قد ازددت شبابا!
فوجئت بأنه يعرف أغلب
الحضور، أو إن شئت فقل: أغلب الحضور يعرفونه، وفوجئت أكثر عندما مررنا من أمام أحد
المقاهي فناداه الشباب باسمه يحيونه، أحسست ساعتها أننى أسير مع ولى عهد المغرب،
كان للخروج إلى المدينة هذه المرة طعما مختلفا!
قطعنا شارع محمد
الخامس لندخل أزقة ضيقة، تتفرع منها أزقة أضيق فأضيق، تنتهى إلى حارات متفرعة من
حارات، كلها مليئة بالمحلات التجارية، معظمها يبيع الملابس التقليدية، والهدايا
التذكارية، إنه سوق أشبه بسوق خان الخليلي، ولكنه أجمل وأروع وأنظف! ووجدنا أنفسنا
فجأة أما قلعة (قصبة الوداية) حينها صحت في صاحبي: لقد جئنا إلى هنا في الصباح!
بالقرب من القلعة
دخلنا مطعم يطل على المحيط، كان قرص الشمس يستعد للغوص في الماء، وكانت الأمواج
فرحة بذلك، فارتفعت أصواتها، وازدادت حدتها، وأكلنا مما جاد به مياها، أكلنا بلح
البحر!
(14)
في الصباح الباكر
غادرنا المملكة متجهين صوب المدعكة!
تمت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق