ولاحت في الأفق قلعة،
فتحسسنا طريقا إليها، واضطررنا أن نعبر الطريق كي نمشى بمحاذاة الشاطئ، وما أن
عبرناه حتى رأيت سيدة الأمس تٌلوّح بيدها!
ابتسمت إلىّ فابتسمت
إليها، وانتظرت منها كلاما، إلا أنها أسرعت تعبر الطريق ثم اختفت. كنت أريد أن
أشكرها على حوار الأمس، وكنت أريد أن أستزيد، كنت أريد أن أبرهن لصاحبي على صدق
كلامي، وصحة روايتى، فقد لاحظت منه بعض الشك! كنت أنتظر شيئا مثيرا!
الحياة كلها مثيرة، هكذا يقول الفلاسفة، وهكذا
يرونها، ولولا الإثارة ما تعلق الإنسان بالحياة، ولولا الحياة ما كانت هناك إثارة!
وتوقف صاحبي أمام قطة
وأبنائها الأربعة، كانوا يفترشون الأرض في انتظار أن يجود عليهم صياد بسمكة، ثم
انحنى يداعبهم، فأعجبنى المشهد كثيرا، ففتحت كاميرتى والتقطت لهم صورة جاءت ولا
أروع! ما أروع الصور التى تأتى من دون تكلف، وما أجملها عندما تكون صادقة!
واقتربنا من سور
القلعة، (قلعة قصبة الوداية)، كل القلاع متشابهة، أسوار عالية، أبراج مرتفعة،
أبواب عريضة، مدافع قديمة مستهلكة، وموقع تم اختيارة بدقة عالية؛ فالقلعة تجمع في
موقعها بين رؤية تطل على نهر أبى رقراق ومنظر يغوص في المحيط الأطلسي. كان الوقت مبكرا لدخول القلعة، فاكتفينا بالالتفاف
حولها حتى وصلنا إلى مياه المحيط!
(11)
"اللهم لو كنت
أعلم أن وراء هذا البحر أرضا لخضته إليها" عقبة بن نافع
انكشف المحيط أمام
أعيننا فتوقفنا عن السير لوقت لم ندركه، كررت مقولة عقبة بن نافع على مسامع صاحبي
عدة مرات حتى بدأ يكررها مثلى: "اللهم لو كنت أعلم أن وراء هذا البحر أرضا
لخضته إليها"، ترى هل كان عقبة بن نافع جادا فيما يقول؟ أم تراه لم يأتى إلى
هنا ولم يقل تلك المقولة، وأنها نسبت إليه كما نسبت كثير من الأقوال لغيره!
... وتوقفت أعيننا على موج البحر من دون حراك!
لو أني أعرف أن البحر عميق جدا
ما أبحرت ...
لو أني أعرف خاتمتى
ما كنت بدأت ...
اشتقت إليك فعلمنى أن لا أشتاق
علمنى ...
كيف أقص جذور هواك من
الأعماق
علمنى ...
كيف تموت الدمعة في
الأحداق
علمني ...
كيف يموت القلب
وتنتحر الأشواق[1]
أعشق البحر، وأعشق
مياهه، تلاطم أمواجه يذكرنى دوما بمشهد طبيب يحاول إنقاذ مريضه من سكتة قلبية!
البحر يوقظنى، يبعث فيّ حياة، يعطينى أمل!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق