إنني أشعر - وكذلك الحال بكثير ممن أعرفهم- بندم
شديد على ما آلت إليه الظروف الأخيرة، وأدت بنا إلى الحال التى نحن عليها الآن، من
انهيارات متعددة على مختلف الأصعدة؛ فعلى الصعيد الأمنى لا ترى مؤيدا أو معارضا
يشعر بثلث الأمن الذي كان يشعر به في الماضي؛ فقد كان الواحد منا يخرج في منتصف الليل وحيدا فيقضى حوائجة ويعود سالما إلى بيته، أما الآن فإذا جن الليل لزم الجميع مساكنهم! وعلى الصعيد الاقتصادي فانهيار ما
بعده انهيار، وارتفاع في الأسعار لا تخطئه الأعين، فالسياحة أصبحت منعدمة (شرم
الشيخ والغردقة مدينتان يشهد لهما القاصي والداني، فبهما تأمين شرطي ومخابراتي
يفوق تأمين تل أبيب)، وعلى الرغم من ذلك فإشغالات الفنادق هناك لا يتعدى الخمس
وعشرين بالمائة في الفنادق العالمية، أما الفنادق الصغيرة فقد أغلقت أبوابها وقامت
بتسريح عمالتها وموظفيها.. وعلى الصعيد الديموقراطي وهو الأهم؛ فحدث ولا حرج: كبت
للحريات، إغلاق للقنوات المعارضة، وإطلاق القنوات المؤيدة، اعتقالات، اغتصابات في
الأكمنة، طوارئ امتدت لشهرين آخرين، حظر تجوال أوقف معه قطارات الصعيد التى يمتد
طولها لأكثر من 700 كيلوا متر... ( ولهذا وحده أهوال يضيق الوقت لذكرها)...
إنني ومعي كثيرون نادمون على ما حدث وما يحدث،
وأما وقد تكشفت الحقائق وظهرت جلية واضحة أمام كل ذي عين ترى، وأمام كل ذي عقل يدرك،
فأقول وبكل ثقة إن ما حدث في مصر انقلاب عسكري، بيت له بليل، وأجهضت معه كل
المحاولات السياسية للتسوية وللخروج بحل وسط لا يقصي أحد، بل ومن خالف الطريقة أو
كان له رأيا آخر اعتقل، واتهم بالخيانة، والميول الإخوانية، والخلايا النائمة، ووضع في خانة الطابور الخامس، حتى
اضطر أن ينجوا بنفسه ويؤثر الصمت على الكلام. (البرادعي وخالد داود وعمرو حمزاوي
وغيرهم أمثلة واضحة)... حتى توفيق عكاشة حليف الأمس بات عدو اليوم لتجاوزه الخط
المرسوم له!!!
إن مرسى أخطأ هو ونظامه كثيرا في حق الثورة
والشعب، أما هذا النظام فقد أجرم إجراما مفضوحا في حق الثورة والشعب والوطن. أخطأ
مرسي كثيرا وفشل فشلا ذريعا في إدارته للبلد، ولكن من السهل أن نلتمس له العذر،
وكان من الأسهل أن نعطيه مزيدا من الوقت -وهذا من حقه دستوريا ولا خلاف على ذلك-.
أما ما يقال بأن مرسي هو السبب ولو أنه تنازل ورضي بالانتخابات الرئاسية المبكرة
فهذا كلام مردود عليه ألف مرة، فقد شهد رئيس الوزراء السابق هشام قنديل، ورئيس
مجلس الشورى السابق أحمد فهمي بأن مرسي كان موافقا على عمل انتخابات رئاسية مبكرة بعد
الانتخابات البرلمانية حتى تكون هناك مؤسسة منتخبة موجودة في مصر، إلا أن العسكر
كان لهم رأي أخر دبروه في وقت سبق 30 يونيو، وهذا واضح في الكلمة التى قالتها
نادية مكرم عبيد في مؤتمرها بأمريكا، وأوضحت فيها أن العسكر دعى القوى المعادية
للإخوان إلى الإجتماع صباح يوم الثلاثين من يوينو (قبل نزول المتظاهرين) ليقرروا
سويا ويدعموا الجيش فيما سيتخذه من قرارات ( الفيديو موجود على اليوتيوب) وكذلك ما ذكره أحمد شفيق من أنه كان على علاقة قوية بالمخابرات وأن
أحاديث مرسي كانت تسجل له وترسل إليه في دبي باستمرار، وهذا يؤكده أيضا حوار وزير
الداخلية الذي قال فيه أنه لم يكن يطيع أوامر مرسي، ويبدو أن هذا هو الأمر الذي جعله يواصل عمله في الوزارة
الجديدة، ناهيك عن وزراء الأزمات ( البترول والكهروباء) واستمرارهم في الحكومة
الجديدة، بالإضافة إلى أحد عشر وزيرا من جبهة الإنقاذ وحدها!
الأمر بات مدبر بليل، والمظاهرات المبالغ كثيرا
في عددها والتى صورت على أنها ثلاثين مليون، والواقع والحاضر والماضي والمستقبل
يشككون في هذا الرقم كثيرا، ولا مجال الآن لتفنيده، تلك المظاهرات التى ما كانت
سوى كوبري عبر عليه العسكر ليصلوا إلى السلطة، وإلا لو كان الأمر غير ذلك، فلماذا
عطل العمل بالدستور( كان مقرر له الإلغاء لولا تدخل حزب النور) ولماذا حل مجلس
الشورى!!!! ألم يكن من الأجدر أن يستشار هذا الشعب في رأيه من خارطة الطريق؟!! ألم
يكن من الأجدر أن يختار الشعب من يعدل له الدستور؟!! إنني أذكر أنه كانت هناك
اعتراضات واسعة على دستور 2012 وكان هناك اتجاه للمقاطعة بسبب أن لجنة الدستور لا
تمثل الشعب بأكمله، فهل هي تمثل الآن الشعب بأكمله؟!! إن من انسحب من اللجنة السابقة
كان باختياره، أما من لم يشارك فيها الآن فرغم عن أنفه!!
لقد ماتت التجربة الديموقراطية قبل أن تولد، فكيف
لي ولأمثالى أن نثق بعد ذلك في أن أصواتنا تستطيع أن تختار أحدا، ولو اختارت فكيف
نثق في أن أحدا لن يسرقها!!!
لقد ماتت
التجربة الديموقراطية عندما ظن بعضنا أن بإمكانه وحده أن يشكل البلد على هواه، وأن
يخترع أسسا جديده للديموقراطية تتلائم معه وحده ويتكيف بها وحده دون النظر إلى
الآخرين!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق