في المساء كانت الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، استمرت لساعتين،
تحدث فيها الأستاذ الدكتور رضا جنيح عن تاريخ مدينة سوسة وعن سبب تسميتها بهذا
الإسم فقال: "يعود تأسيس مدينة سوسة إلى ما قبل الميلاد بتسعة قرون، وهناك
مصادر ترى أنها تعود إلى أبعد من ذلك بكثير؛ فهناك من أرجع تأسيسها إلى ألفين وسبعمائة عام، عرفت فيها
العديد من الأسماء حسب الثقافات التى تعاقبت عليها؛ فسميت حضرموت عندما احتلها
الرومان لتشابه كبير بينها وبين مدينة حضرموت اليمينة، وسميت هونريكوبوليس عندما
قدم إليها الوندال، وجوستيانابوليس عندما سكنها البيزنطيين، ولما فتحها العرب
أطلقوا عليها اسم سوسة، وهي الترجمة الحرفية لحضرموت". بعد ذلك ذكر الدكتور
جنيح أن مدينة سوسة مدينة ساحلية نشيطة ثقافيا على مر العصور، بها رباط وأسوار
سوسة، وبها الجامع الكبير، وبها متاحف متعددة جمعت بين جنباتها لوحات فسيفسائة
رومانية كثيرة. وفجأة تغيرت نبرة الدكتور جنيح من نبرة فخر واعتزاز ببلده إلى نبرة
حزن إلى ما آلت إليه مدينته المحبوبة بعد هجمات إرهابية قضت على خمسين روحا
أجنبيا، فقال بنبرة حزينة: "ولكنني أعتبر سوسة الآن مدينة منكوبة!"
كان الدكتور ألبريشت فوس هو من يدير هذه الجلسة،
فأعطى الكلمة للدكتور عادل بن يوسف المتخصص في التاريخ المعاصر، وقد راح بن يوسف
يسرد علينا تاريخ الصراع بين السلطة والإسلام السياسي في تونس، سردا كثرت فيه
التواريخ وتشعبت فيه الأحداث حتى التبس عليّ الأمر، وكدت أنام منه، وساعد على ذلك
حرارة الجو فلم تكن القاعة مكيفة!.................................................... لَعَلِّي أَصِلُ إِلَيْكَ يَوْمَاً!.................... محمد شحاتة
الصفحات
إجمالي مرات مشاهدة الصفحة
السبت، أكتوبر 31، 2015
الأربعاء، أكتوبر 28، 2015
تونس الخضراء 7
في الطريق إلى سوسة مررنا بجبل يسمى بوقرنين، يقع بالقرب من
مدينة حمام الأنف على ارتفاع 576 مترا، وسمي بهذا الإسم نظرا لوجود قمتين في
أعلاه، ثم مررنا بمزارع لا حصر لها من أشجار الزيتون، رصت بجوار بعضها البعض في
شكل هندسي بديع يفصلها عن بعضها أشجار التين الشوكي المثمرة، ويسمونها "تين
هندي". البيوت على جانبي الطريق بسيطة متواضعة مطلية في معظمها باللونين
الأبيض والأزرق، ترعى أمامها قطعان من الأغنام يسمونها "علوش".
اقتربنا من مدينة سوسة فاستحالت بساطة البيوت وتواضعها إلى
فخامة وبهاء، وكثرت الفيلات المحاطة بأسوار عالية، أشار السائق إلى منطقة مرتفعة
مزدانة بأشجار النخيل والصنوبر ثم قال: كانت هذه لـ بن على وأقاربه!
وصلنا فندق تاج
مرحبا في الثالثة بعد الظهر، كان في استقبالنا دكتور أحمد عبد السلام والدكتور
ألبريشت فوس، ساعدانا في الحصول على غرف، ونصحانا بأن نتوجه سريعا إلى المطعم
لنتناول طعام الغداء.
في مطعم الفندق التقينا بالدكتور عبد الراضي رضوان والدكتور
عزمي و الدكتور محمود أبو شعير والدكتور أحمد عبد الإمام وشاب ألماني عرفته فيما
بعد يدعى راسموس براند، كانوا جميعا قد انتهوا من طعامهم وهموا بالخروج، سلمنا
عليهم سريعا ثم أسرعنا إلى البوفيه ندرك ما يمكن إدراكه!
الفندق كما يقول المثل المصري "من برا هالله هالله ومن
جوه يعلم الله"؛ فبهو الفندق ومدخله يوحيان بأنه ذو نجوم أربعة، إلا أن
غرفاته وقاعاته ومطعمه لن يحصلا على نجمتين في أعلى تقييم من مسؤلي السياحة. وقد
أحسن منظموا المؤتمر صنعا إذ جعلوا لكل واحد من المشاركين غرفة خاصة، وجعلوا جميع
الغرف تطل على البحر.
الثلاثاء، أكتوبر 27، 2015
تونس الخضراء 6
يا تونس الخضراء جئتك عاشقا
وعلى جبيني وردة وكتاب
أنا المصريُّ الذي احترف
الهوى
فاخضوضرت بغنائه الأعشاب
أحرقت من خلفي جميع مراكبي
إن الهوى ألا يكون
إيـــــــــاب[1]
هبطت طائرتنا المصرية على أرض مطار تونس قرطاج بعد أن قطعت
مسافة 2088 كيلو مترا على ارتفاع سبعة آلاف قدم في مدة لم تتجاوز الثلاث ساعات.
أنهينا إجراءات الدخول سريعا ثم وقفنا ننتظر الحقائب، كانت هناك فتاة توزع خطوط
تليفونات مجانية تابعة لشركة "أورانج" التونسية، لا تحتاج منا سوى جواز
السفر، أعطيتها جواز سفري فالتقطت له صورة ثم أعطتني خطا به القدر الأدنى من
الرصيد. أخذنا حقائبنا وتوجهنا صوب باب الخروج، وعند الباب رأينا رجلا يحمل لافتة
مكتوب عليها اسمى! لم أصدق، فلست بهذه الأهمية، اقتربت منه، قلت له هذا اسمي،
فأجاب:
-
اذن لتركب معي!
-
لست وحدي، نحن أربعة!
-
السيارة التى معي لا يمكنها حمل أكثر من اثنين بحقائبهما.
نظرت إلى الأساتذة
الزملاء وكانوا ثلاثة: دكتور سامح اسماعيل، ودكتور سعيد فارس، ودكتور عيد، فسألتهم
ماذا نفعل؟
قال أحدهم لنتصل بمنظمي
المؤتمر، ولم يكن معنا رصيد يكفي للاتصال، لذا ذهبنا إلى مكتب "أورانج"
لنشحن بطاقاتنا، وشحنت بخمسة دنانير، و كان أول ما فعلته هو أن أرسلت رسالة إلى
صديقي التونسي "محمد رباح" أعلمه بنبأ وصولي إلى تونس!
كتب الدكتور عيد رسالة
إلى منظمي المؤتمر يخبرهم بما حدث ويطلب تفسيرا، وجاءه الرد بأن خطأ ما قد حدث،
وعليه أن يتصرف ولو بتاكسي إلى الفندق. حاولنا أن نركب نحن الأربعة فلم نتمكن؛
فالكرسي المتحرك للدكتور سامح لم يكن له أن يدخل شنطة السيارة، والحل الوحيد هو أن
نضعه في المقعد الخلفي، وبالكاد يمكن أن يجلس أحدنا بجواره. وبعد بضعة دقائق من
النقاش من يركب ومن لا يركب، قرر الدكتور سعيد فارس والدكتور عيد البحث عن تاكسي. وبينما
نحن- الدكتور سامح وأنا- نستعد للانطلاق
اذ بصديقي "محمد رباح" يتصل بي ويسأل عن مكاني، أخبرته أنني وصلت من توي
ولم أزل في مطار تونس.
محمد رباح شاب أربعيني،
تونسي الجنسية، مصري الشكل والطباع، عرفته في القاهرة قبل عامين، جمعنا كورس دارسة
نظمتة الهيئة الألمانية للتبادل العلمي، ما أن علم بوصولي تونس حتى جاء مسرعا
ليستقبلنى في المطار، تعانقنا طويلا، ولم يفك عناقنا سوى تذمر السائق من طول
الانتظار. توادعنا على أمل اللقاء في تونس العاصمة بعد أن أنتهي من مؤتمري في
سوسة.
قطعنا طريقا بطول 140
كيلو متر إلى سوسة في ساعتين؛ فالسائق ملتزم بالسير على مائة كيلو متر في الساعة
وإلا سيدفع غرافة تقدر ب 40 دينارا، كان
ودودا وطيبا، وكان أول سؤال وجهه إلينا ليفتح باب الحديث: زملكاوي أم أهلاوي؟
كانت لا تزال أصداء هزيمة
الزمالك أمام النجم الساحلي موجوة ومستمرة بقوة في وسائل الإعلام المختلفة،
التونسية منها والمصرية، وكذلك على مواقع التواصل الاجتماعي في كلا البلدين، ولمستها
بقوة هنا على ألسنة التونسيين؛ إذ ما من مرة ألتقي بها مع تونسي حتي يسألني
زملكاوي أم أهلاوي؟ وكان جوابي على الدوام: أنا أشجع عبد الحليم حافظ!
[1] هذه الأبيات مطلع لقصيدة
بائية قالها نزار قباني في افتتاح مقر جامعة الدول العربية بتونس عام 1979، وقد
أبدلت كلمة الدمشقي بالمصري لتناسب المقام.
تونس الخضراء 5
ثمة مشكلة أخرى تجلت بعد أن حصلنا على التأشيرة، مشكلة حجز
الطيران، فقد ارتفع ثمن التذكرة إلى الضعف، من ألفين إلى أربعة آلاف، هكذا مرة واحدة! وكان علينا أن نتنازل عن اليوم الأول من أيام المؤتمر حتى يتثنى لنا الحصول
على تذكرة بسعر مناسب.
أخبرنا منظموا المؤتمر بموعد وصول طائرتنا إلى تونس، وبدأت
بتجهيز حقيبة سفري وتذكرت شيئا مهما: ليس معى عملة تونسية! والحق أنني لم أكن أعرف
شكل العملة التونسية ولا حتى اسمها، كل ما أعرفه هو أنها أغلى من العملة المصرية.
ذهبت إلى مكاتب صرافة في وسط القاهرة، ليس للعملة التونسية
أي تواجد بين العملات الأخرى، إلا أنني وجدتها على استحياء في إحدى المصارف، سألت
عن أرخص سعر فقيل ثلاثة جنيهات وسبعون قرشا، كان معي ما يعادل مائة دينار، فاشتريت
بهم جميعا، ثم طلبت من الصرّاف أن يعطيني فاتورة فرفض، ولما سألته عن السبب تعلل
بأنه أعطاني أرخص سعر، ولو كتب لى فاتورة فسيعطنيها بسعر السوق وهو أربعة جنيهات
للدينار الواحد!
كان في نفسي شئ من هذه العملة، لم أكن مستريحا لشكلها القديم
المتهالك، ولم أطمئن لها إلا بعد أن رأيت أمثالها على موقع جوجل العظيم.
الأحد، أكتوبر 25، 2015
تونس الخضراء 4
في داخل القنصلية كان الجو لطيفا؛ فالبرودة المنبعثة من جهاز
التكييف قد أحالت المكان إلى فردوس، الأمر الذي انعكس بدوره على حديثي إلى موظف
القنصلية، فجاء حديثا هادئا رغم ما واجهناه في الخارج من معاملة أقل ما توصف بالسيئة.
طلب مني الموظف أن أستريح حتى ينتهي الأستاذ عاطف من
أعماله، فجلست. مرّ بعض الوقت، سمعت فيه حديث من هم بالخارج، شكوى متكررة من سوء
المعاملة، شجار مع موظف القنصلية أحيانا ومع بعضهم البعض أحيانا أخرى.
طال بي الانتظار، فهممت أبحث عن الأستاذ عاطف، وكلما دخل أحد
القاعة سألته هل أنت الأستاذ عاطف؟! حتى أجاب أحدهم بكلمات مقتضبة: نعم، حاضر،
انتظر.
عدت حيث أجلس فجاء رجل وجلس بجواري، بدا عليه أنه ليس مصري،
علا صوت من هم بالخارج، شجار حاد، فار معه دمي، ووجدتنى أتحدث إلى الرجل بكلمات لم
أتبينها إلا فيما بعد: هل هذه تونس؟ تونس التي طالما أحببناها، تونس الثورة، لقد
كنا دوما نقول: الإجابة تونس....! وما أن أنهيت حديثي إليه أو كاد حتى جاء موظف
القنصلية وأشار إلى الرجل بقوله: تفضل معالي السفير!
ساد الصمت المكان، أو هكذا بدى لى، فلم أعد أسمع شيئا، ولم
أعرف كم مر من الوقت، حتى جائني الأستاذ عاطف طالبا مني جوازات السفر وثمن
التأشيرة وأخبرني أن نعود إلى بيوتنا وسيتصل هو بنا حال ورود الموافقة.
خرجت إلى الزملاء وأخبرتهم بما حدث، ووعدتهم بأن أتصل بهم
وقت أن يجدّ جديد. وانتهى النهار بطوله والليل بعرضه ولم يجدّ جديد، وفي اليوم
التالي قررت ألا أذهب إلى القنصلية، فقد أحسست أن ماء وجهي سينضب لو ذهبت إلى
هناك. ويبدو أنني كنت محقا في قراراي هذا، ويبدو أننى كنت العقبة أمام أخذ
التأشيرة، ففي اليوم الذي لم أذهب فيه حصلنا جميعا عليها رغم أنني مقطوع الإيصال!
الجمعة، أكتوبر 23، 2015
تونس الخضراء 3
عدت إلى بيتى مرفوضا مقطوع الإيصال، وبدأ أمل السفر إلى
تونس الخضراء يتلاشى شيئا فشيئا، واتصلت بالدكتور عاصم حفني أخبره بما تم، فواساني
بكلمات كثيرا ما تقال في مثل هذه الأوقات. وفي المساء اتصل بي دكتور سامح إسماعيل
وهو أحد المشاركين في المؤتمر ولم أكن قد التقيت به من قبل، فقط دارت بيننا عدة
اتصالات وقت أن كنا نبحث عن تذكرة سفر بسعر مناسب. أخبرته بما تم، وشدّدت كثيرا
على موضوع "تقطيع الإيصال"!
كان للدكتور سامح رأيا بناه على معلومة جاءته من أحد
أصدقاءه الذين سافروا قبل عدة أشهر إلى تونس. تقول المعلومة: أن ذلك الصديق ومعه
بعض الزملاء تجمعوا أمام القنصلية وطلبوا لقاء القنصل لمعرفة سبب تأخر التأشيرة
لبعضهم ورفض بعضهم الآخر، وبعد محاولات متكررة، وشد وجذب، تمكنوا من لقاء القنصل
الذي منحهم التأشيرة آخر الأمر.
قال لي الدكتور
سامح: يبدو أن الضغط على القنصلية هو الحل المناسب! قلت له: رغم أنني مرفوض ولا
أملك إيصالا إلا أنني سوف أذهب معكم!
عرضنا الأمر على الدكتور عاصم فلم يتحمس للفكرة فحسب، بل
قام بالاتصال بجميع الأساتذة المشاركين من مصرلنجتمع سويا في الغد أمام القنصلية
ونحاول لقاء القنصل.
كنا خمسة: دكتور
سعيد فارس، دكتور سامح اسماعيل، مندوب عن كل من الدكتور عبدالراضي رضوان والدكتور
عزمي وأنا. في البداية لم ندري ماذا علينا أن نفعل، هل نقف مع الواقفين أم نطلب
لقاء القنصل مباشرة؟! وكان مع الدكتور سامح رقم هاتف لأحد موظفي القنصلية ويدعى
عاطف، قلت له فلتتصل به على الفور وتعرض الأمر عليه علّه يساعدنا، اتصل به وعرض
عليه موضوعنا وجاء رده ايجابيا: علينا أن ننتظر ثلث ساعة وسيُحل الأمر! هكذا بكل
بساطة!
كان الجواب يدعو إلى الشك أكثر منه إلى الفرح، وهذا ما تأكد
لنا فيما بعد، فعندما عاودنا الاتصال به بعد مرور نصف ساعة لم يرد، كررنا المحاولة
أكثر من مرة فلم يرد، بعثنا إليه برسالة فلم يرد، اتصلنا به من هاتف آخر ولم يرد، وهنا
عقدنا العزم على أن نطلب لقاء القنصل!
ضربنا الجرس فجاءنا صوت من داخله:
-
نعم؟
-
نحن مجموعة من الأكادميين، جاءتنا دعوة للمشاركة في مؤتمر بمدينة
سوسة، قدمنا أوراقنا منذ شهر ولم نحصل بعد على التأشيرة، لذا نريد مقابلة القنصل؟
-
القنصل في اجتماع.
-
إذا فلنقابل الأستاذ عاطف.
-
الأستاذ عاطف موجود عند الشباك حيث الناس مجتمعون، إذهبوا
إليه هناك.
ذهب أحدنا سريعا فلم يجد
شيئا، عدنا فضربنا الجرس وجاء الرد:
-
نعم؟
-
الأستاذ عاطف غير موجود عند الشباك؟
-
لو سمحتم ابتعدوا عن الباب، مكانكم ليس هنا. سأعطيكم تليفون
مكتبه، اتصلوا به.
أعطانا الرجل رقما أرضيا فاتصلنا به فلم يرد علينا أحد،
عاودنا الاتصال مرات ومرات ولا مجيب، عدنا إلى الجرس فضغطنا عليه وقد استشطنا
غيظا، وطلبت من الدكتور سامح أن يتحدث إليه هذه المرة فربما رق لحاله، إن رآه
جالسا على كرسيه المتحرك.
تحدث الدكتور سامح إلى الرجل بنبرة استنكارية غاضبة، فلا
يليق بالقنصلية أن تعامل أمثالنا بهذه المعاملة. وهنا انفتح الباب وخرج إلينا رجل
فطلب أن نختار منا واحدا فقط ليدخل ومعه جوازات السفر، ودخلت!
الخميس، أكتوبر 22، 2015
تونس الخضراء 2
تونس الخضراء، اسم كلما سمعته انشرح صدري، ودق قلبي، وابتسم
ثغري. فرحت كثيرا عندما بعث لى دكتور عاصم حفني بدعوة لحضور مؤتمر في مدينة سوسة
بتونس عن الدين والسياسة بعد الثورة، اجتهدت كي تكون مشاركتي إيجابية، فشرعت
بكتابة ورقة بحثية عنونتها بـ "الإسلام السياسي في ظل التغيرات التي طرأت على
الربيع العربي، مصر نموذجا"، ولما حان وقت تقديم أوراقي للحصول على تأشيرة،
اتصلت بالقنصلية وسألت عن الأوراق المطلوبة، فوجدتها سهلة وفي متناول اليد، فقط
صورة من جواز السفر، وصورة الدعوة إضافة إلى صورة من حجز الطيران. كما أن القنصلية
مفتوحة طوال أيام الأسبوع ما عدا السبت والإثنين والجمعة.
وفي الأول من سبتمبر وقبل موعد المؤتمر بشهر وأربعة أيام
كنت أقف أمام موظف القنصلية وأوراقي كاملة. أخذ الموظف أوراقي ثم أعطاني إيصالا
وقال: يمكنك أن تمر علينا بعد عشرة أيام. نظرت في يدى فرأيت جواز سفري، سألته: ألا
تحتفظون بجواز السفر؟ أجاب: أحضره معك، فإن جاءت الموافقة أخذناه منك وأعطيناك
التأشيرة! و من الخلف جاءنى صوت يقول: لا تصدقه فلن تأتي التأشيرة قبل أسبوعين!
وبعد عشرة أيام كنت أقف مع الواقفين في ممر ضيق مغطى بألواح
من الصاج تدلت منها مروحة تدور وحدها بلا أدنى جدوى، فحرارة الجو لن تؤثر فيها
عشرة مراوح من نوع تلك المروحة، ورأيت الناس يزدحمون حول باب القنصلية المفتوحة إحدى
ضلفه، فلما اقتربت منهم أدركتنى لفحة من هواء بارد، لا شك أنها قادمة من جهاز تكييف
بالداخل.
في هذا اليوم التقيت بالدكتور سعيد فارس، المشارك في نفس
المؤتمر، وهو رجل دمث الخلق، هادئ الطبع، طويل البال، قدم أوراقه إلى السفارة بعدي
بيوم واحد، وقيل له نفس ما قيل لي، تعالى بعد عشرة أيام.
في هذا اليوم لم نحصل على الموافقة، وعدنا أدراجنا ملتمسين
لهم العذر، فالوقت وقت صيف تكثر فيه الأسفار والمؤتمرات، إلا إننا لم نعد نلتمس
لهم أي عذر بعد أن مرّت أربعة أسابيع على استلامهم أوراقنا، وبعد أن ذهبت إليهم
خمس مرات أسأل عن التأشيرة من دون جدوى. وفي المرة السادسة رأى الموظف أن يخفف عني
عناء السفر ومذلة السؤال؛ فقام بتقطيع الإيصال أمام عينيى وهو يقول: مرفوض! لم
تضايقنى الكلمة بقدر ما ضايقني تقطيع الإيصال، تلك الحركة الغبية التي تمنيت لو لم
يفعها! فقط أردت أن أحتفظ بشئ من تونس!
الأربعاء، أكتوبر 21، 2015
تونس الخضراء 1
أجلسني الشرطي فوق كرسي مبطن من الجلد الأسود، وبدا عليه
أنه يبحث عن شئ ما، فتح الشرطي درج مكتبه وأغلقه بسرعة، أمسك بفارة الكمبيوتر
فأدرك أن الكمبيوتر مغلق، ترك الفارة ثم غادر الغرفة سريعا وتركني وحدي.
لم أكن أتخيل أبدا أن يكون مصيري هذا المكان، ولم أكن أتخيل
أبدا أن أعامل بمثل هذه المعاملة في بلد طالما اشتقت لزيارته. مرّ أمام عينى شريط
مليئ بالمصاعب والمتاعب والمعاملة الغير آدمية، شريط بدأ برفض القنصلية إعطائي
الفيزا، وياليتها اكتفت بالرفض بل زادت عليه بأن قام موظفها بتقطيع الإيصال أمام
عيني. شريط به مشاهد مروعة لأحداث مثيرة، تعلو فيها الموسيقى التصويرة فتزداد معها
دقات القلب، وتظهر معها علامات اضطراب الجسد من توتر وعرق.
لن أنسى مشهد توقيفي وصديقي التونسي غسان أمام المتحف
الإسلامي برقّادة بالقرب من القيروان، و لن أنسى المشادة الكلامية التى حدثت بسببي
بين صديقي محمد رباح وفرد الأمن بقرطاج بجوار متحف الحوت، وكذلك صدمتى وقت أن
أخبرني بائع السمك بسوسة أن نقودي الورقية من فئة العشرة دنانير لم تعد متداولة، وحتى
مشهد محاولة خداعي من قبل عاطلين بشارع الحبيب بورقيبة أمام باب البحر لن أنساه،
ويبدو أنني لن أنسى كذلك مشهدي هذا حيث مركز شرطة شارل ديجول بالعاصمة التونسية!
عاد الشرطي وبيده ورقة بيضاء وقلم، جلس أمامي، كان يرتدي
تيشرتا أزرق به خطوط عرضية سوداء، لا أدرى لماذا تذكرت ضابط المباحث المصري الذي
مرّ علينا ذات ليلة ليقبض على ذلك البلطجي العنيد الذي أراد أن يستولي على شقة
جاري، ثمة وجه شبه لم أستطع تحديده، ربما لون التيشيرت!
-
ما الذي جاء بك إلى تونس، ولماذا قمت بتصوير محطة القطار؟
-
جئت لحضور مؤتمر في سوسة، وعندما انتهى المؤتمر... وسمعت نغمة هاتفي ترن، نظرت إلى الشرطي وأشرت
إلى الهاتف وقلت: هل أرد؟ أجاب بإيمائة من رأسه
أعقبها بقوله: رد!
كان الإسم المكتوب على
الشاشة "منير تونس"، لم أسمعه جيدا، قلت له: منير لا أسمعك ولكني في
مركز شرطة شارل ديجول. لم يرد، وانقطع الاتصال.
أردت أن أعيد هاتفي مكانه
في جيبي، إلا أن شرطي آخر أخذه مني وجلس على كرسي بجوار الباب وبدأ يعبث فى
محتوياته!
-
لم تجب، لماذا قمت بتصوير محطة القطار؟ سأل الشرطي.
-
لم أعرف أن تصوير محطة القطار ممنوعا، وعلى كلّ فيمكننى حذف
الصورة.
وسمعت نغمة هاتفي تعلن عن اتصال جديد، مدّ الشرطي
يده بالهاتف كي أرد، كان رقما أرضيا، أعرفه، إنه للسفارة الألمانية بتونس حيث تعمل
أروى. لم تسمعني أروى ولم أسمعها، كانت الإشارة ضعيفة جدا، وكنت متوترا.
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)