السبت، أغسطس 15، 2015

ملخص كتاب "مقام العقل في الإسلام" لمحمد عمارة




محمد يسري يكتب: ملخص كتاب "مقام العقل في الإسلام" لمحمد عمارة



بعد قراءتي لمقال الدكتور محمد عمارة (مقام العقل في مذاهب الإسلاميين) المنشور بمجلة الأزهر بتاريخ...، وجدت كلاماً يُكتب بأغلى من ماء الذهب، ولصغر المقال حدثتني نفسي أن هذا الرجل لابد وأن له عملا كبيرا تحدث فيه عن مكانة العقل في الشريعة الإسلامية، فبدأت في البحث في أعماله، فإذا بي أجد هذا الكتاب (مقام العقل في الإسلام)، فقدمت قراءته على سائر قراءاتي، وعندما نظرت إلى محتوي الكتاب وجدته قيماً؛ فالكتاب مقسم إلي قسمين: قسم يوضح مكانة العقل في الإسلام، ومدى هبوط ودنو مكانة العقل والعقلانية في التراث الفكري للإسلام، أما القسم الآخر –وهو الأهم- يجمع نصوصا تراثية في العقلانية الإسلامية، ولقد حصر الدكتور وركز جيدا في أقواله على أقوال كبار علماء السلف وكبار علماء التصوف عن منزلة العقل، حتى يعلم ويتعلم مدعى السلفية في هذا العصر، ومدعى التصوف كذلك، ماكان عليه كبارهم وعلماؤهم من مدح للعقل والعقلانية، فنحن نعاني في هذا الزمن من أناس أهملوا العقل وقللوا من قيمته، وجعلو رفع شعار العقل والعقلانية بدعة في الدين، ومن يقول بذلك فهو صاحب هوى، فلو نظرت إلى الخلف في زمن ليس بالبعيد، لوجدت أن كل عالم أو داعية ممن رفعوا شعار العقل والعقلانية قد نال منه أمثال هؤلاء. وقد ذكر الدكتور –علي جهة الخصوص – أن هؤلاء قد نالو أيضا من الشيخ محمد الغزالي، فبعدما ألف الشيخ كتابه (السنة النبوية عند أهل الفقه وأهل الحديث) قام مدعوا السلفية بتأليف أربعة عشر كتابا ردا علي هذا الكتاب، وكانت التهمة الوحيدة للشيخ الجليل أنه رفع شعار العقل في رفضه لبعض أحاديث النبي صلي الله عليه وسلم –وهذا ليس مقاما لذكر ماورد في هذا الكتاب، فالكلام سيطول- ولقد تعمدت في هذه المقدمة أن أختصر وأكتفي بذكر بعضا من أقوال كبار علماء السلف والتصوف عن العقل وعن مكانته في الإسلام.
1.     الحارث بن أسد المحاسبي ( 165-243/781-857) هو واحد من أئمة أعلام الصوفية وأقطاب التصوف فى تاريخ الإسلام. عاش فى عصر تابعي التابعين- أي في خير القرون- وألف كتابا أسماه (العقل وفهم القرءان)، كتب فيه عن مقام العقل فقال :- "العقل غريزة وضعها الله في أكثر الخلق .. وعرفهم الله إياها بالعقل، فبذلك العقل عرفو الله، وشهدو عليه بالعقل الذين عرفوه به من أنفسهم بمعرفة ما ينفعهم وما يضرهم .. وبغريزة العقل أقام الله الحجة على البالغين، وإياهم خاطب من قبل عقولهم، ووعد وتوعد، وأمر ونهي، وحض وندب .. إنه – أي العقل – صفوة الروح، أي خالص الروح .. وهو اللب، ولب كل شئ خالصه، فمن أجل ذلك سمي العقل لبا. قال تعالي: " إنما يتذكر أولو الألباب". والعقل نور وضعه الله طبعا وغريزة، يبصر به، ويعبر به. نور في القلب كالنور في العين، وهو البصر، فالعقل غريزة يولد العبد بها، ثم يزيد فيه معني بعد معني بمعرفة الأسباب الدالة علي المعقول.. هذه المعرفة عن العقل تكون.. والله إنما خاطب العباد من قبل ألبابهم واحتج عليهم بما ركب فيهم من عقولهم. فقد روي في تفسير قول الله لموسي عليه السلام (وأنا اخترتك فاستمع لما يوحي) أي اعقل ما أقوله لك. ويقول الله (وتعيها أذن واعية) أي أذن عقلت عن الله ما سمعت مما قال وأخبر."  هكذا تحدث هذا الرجل الإمام والقطب الصوفي عن العقل الذي به تنور القلوب، ونتدبر الكتاب، ونؤمن به بالرسل الذين بلغو الدين عن الله ، فالإيمان بدين الله إنما أساسه العقل.
2.     وها هو فليسوف التصوف، شيخ الإسلام ابن تيمة رحمه الله تعالي (661-728/1263-1328) يقول عن عدم مخالفة النص الصحيح للعقل الصريح :- "إن ما عرف بصريح العقل لا يتصور أن يعارضه منقول صريح: ولقد تأملت هذا في مسائل الأصول الكبار، كمسائل التوحيد والصفات، ومسائل القدر والنبوات، والمعاد وغير ذلك، ووجدت ما يعرف بصحيح العقل لم يخالفه سمع قط، بل السمع الذي يقال إنه يخالفه إما حديث موضوع أو دلالة ضعيفة، فلا يصح أن يكون دليلا : كما وجدت ما خالف النصوص الصحيحة شبهات فاسدة يعلم بالعقل بطلانها." رحمك الله يا شيخ الإسلام ، ليت من يدعون اليوم أنهم يسيرون علي دربك وعلي نهجك يسمعون هذا الكلام !!!. أين من ينفون التحسين والتقبيح عن طريق العقل اليوم ويقولون أنه بدعة من البدع التي حدثت في الأسلام ؟! ، من قول شيخ الإسلام الذي بين الإستدلال بالعقل علي صحة النقل أو عدم صحته!.

وهناك كثير من الأقوال لشيخ الإسلام ذكرها الدكتور في كتابه هذا، ثم ذكر كذلك أقوالا أخرى لعلماء آخرين، تبرز مكانة العقل في الإسلام. وأنا إذ أنصح بالاطلاع عليها وفهمها، أنصح كذلك بقراءة هذا الكتاب قراءة جيدة متأنية، عله يصيب الهدف، أو يفتح الطريق!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق