كانت حمراء، فأراد صاحبي أن يتجاوزها ويمر،
فقلت له: لا تفعل. انتظر حتى تأتي بالضوء الأخضر؛ فنحن هنا في بلد غريب وعلينا أن
نتبع تعليمات نظامه. فنظر إلى مستغربا، ثم سأل مستنكرا: ومن وضع هذا النظام إذا؟
فقلت له الألمان فقال: ولماذا وضعوه؟ فقلت له: لينظم لهم شؤون حياتهم، فقال كلا
إنهم ما وضعوا هذا النظام إلا ليسهل لهم شؤون حياتهم، وهناك فارق كبير بين تنظيم
الحياة من أجل التنظيم وبين تنظيمها من أجل جعلها سلسة وسهلة.
ربما كنت محقا يا صاحبي – قلت ذلك في نفسي
ولم أفصح له به حتى الآن- فبعدما ركبت الترام في ذلك المساء وأردت أن أجلس فيه
لنهايته ومن ثم أعود به من حيث ركبت ، ولما وصلت لآخر محطة سمعت السائق ينادي:
" نهاية الرحلة ، المحطة الأخيرة ، النزول من فضلكم" . سمعت ذلك النداء
ولم أحرك ساكنا، فلماذا أغادره في حين أني سوف أرجع به مرة أخرى؟ وقررت الإنتظار..
وما هي إلا ثوان حتى جاءني السائق فحياني ثم سألني بصوت به حدة :- هل تفهم
الألمانية ؟ فأجبته بنعم فعاود السؤال مرة أخرى :- هل تفهم الإنجليزية؟ فقلت له
نعم فازدادت حدة صوته ثم قال " إذا سمعت ما قيل، وما قيل ببساطة هو أن هذه
المحطة هي المحطة الأخيرة وعلى الجميع النزول، ومغادرة القطار. تعجبت وازاد تعجبي
أكثر عندما سألته :- ألن يعود القطار ثانية، فقال بلى، ولكن عليك فقط أن تتبع
التعليمات، ثم أستطرد في الكلام بصوته الحاد: "عندما يقال آخر محطة فهي آخر
محطة وعندها يجب مغادرة القطار". ولما وجد مني تجاوبا انخفضت حدة صوته ثم
أشار بيده ناحية المحطة التى لا تبعد سوى خمسون مترا وقال:- تنزل من هنا ثم تذهب
إليها وتنتظرني حتى آتي إليك... وكان هذا ما فعلته، أما ما قلته فقد كان " لا
تعليق"
لم يمر على ذلك الموقف سوى اثنتي عشرة
ساعة " فقط سواد الليل" حينها
أردنا "زميلة لى وأنا" أن نركب الأتوبيس لنهايته ثم نعود به حيث ركبنا.
ولما وصلنا لنهايته وسمعته ينادي " المحطة الأخيرة ...." قلت لزميلتى
هيا ننزل حتى لا يأتينا السائق ونسمع منه ما لا نحب. ونزلنا مسرعين فوجدنا أتوبيسا
آخرا بنفس الرقم ونفس الجهة ومفتوح بابه ويتهيئ للمغادرة . ولما هممنا بدخوله
انزعج السائق ملوحا بيديه لا لا ليس من هنا ثم أشار إلينا أن نتقدم بضعة خطوات حتى
نصل إلى المحطة التى لا تبعد سوى عشرة أمتار... وما كان من زميلتى إلا أن رددت
أيضا " لا تعليق"
والأمس وما أدراك ما الأمس . فقد كنا على سفر
ولما طال بنا السفر عرج بنا السائق لنأخذ قسطا من الراحة واتفقنا على نصف ساعة،
ولما حان وقت الإنطلاق تخلف أحدنا ولم نتدارك أمره؛ إلا بعد فوات الأوان؛ ففي
الطرق السريعة يصعب الدوران. والعودة إلى الخلف تعني سيرا لعشرات الكيلو مترات...
كنت
أجلس ساعتها خلف السائق ولما علم بذلك لمست الارتباك الشديد على وجهه، وانتقل
الارتباك إلى يده ثم إلى قدميه، وبدأ
يتمتم بكلمات لا تفهم ... اختلطت كل الأمور لديه فلم يعد يستطع التفكير ... وكل
هذا لأنه لم يضع في اعتباره ولو لواحد في المائة أن النظام سيختل....
والله المستعان
محمد شحاتة
بس فعلا النظام يكون ليس من اجل التنظيم
ردحذفو انما يكون لاجل جعل الحياه اسهل و ايسر