(5)
ع المغربية أم الخدود السندسية ... أم الرجال زي الجبال
الأطلسية
والدار البيضاء هي
العاصمة الاقتصادية للمغرب؛ ففيها حوالى 60 بالمائة من الشركات العاملة بالمملكة،
وهي أشبه ما تكون بمدينة الإسكندرية، إلا أنها قد تتفوق عليها في الجمال والنظافة وقلة عدد السكان، حوالى 4 مليون
نسمة، ولكن تبقى روح الإسكندرية عندى أفضل من روح الدار البيضاء. وانطلق بنا
التاكسي يقطع طريق الكورنيش إلى منتهاه فمررنا بمئات من أشجار النخيل الزينة،
شاهقة الارتفاع، ودل ذلك على أنها أشجار ضاربة في العمر، وممررنا كذلك بعشرات من
إشارات المرور التى التزم السائق باتباع تعاليمها، وبمئات من الأعلام المغربية، ثم
اقتربنا من قصر كبير له سور مرتفع، فلما سألت السائق عنه أجاب : قصر الملك
السعودي! وعلق أحدنا: ملوك مع بعضهم!
ثم وصلنا أخيرا إلى مول يسمى ( IMAX) أو (موروكو مول) وهو
أكبر مول تجاري في المغرب وشمال إفريقيا، يقع على شاطئ الأطلسى، ضخم، له طابع
غربي، حتى الأغانى التى تذاع بداخلة أغان غربية فرنسية، وفيه محلات عالمية
من أمثال "غاليري لافاييت، وبه نافورة موسيقية كبيرة،
يقال أنها الثالثة في العالم من حيث الحجم، وتقع على مساحة 6000 متر مربع، وبه
أيضا حوض أسطواني كبير للأسماك، يصنف
الثالث عالميا بعد حوضي واشنطن وبرلين، وفيه أيضا قاعة للسينما شيدت على مساحة ألف متر مربع، و به إحدى
أكبر حلبات التزحلق على الجليد في
المغرب، وتقدر تكلفة المول
بحوالى 2 مليار درهم!
ولم نعبأ بكل هذا، واتجهت وصديقى مباشرة إلى محل لبيع الكتب،
وأخذنا نتجول فيه إلى أن دخلنا ركن الكتب الدينية، ووقع بصرى على مصحف مغربي، فحملته
في يدى وفتحته، فقد سمعت من قبل أن المغاربة المسلمون يتميزون عن غيرهم بشيئين:
بقراءة القرآن برواية ورش، وباتباعهم المذهب المالكي في الفقه. أما اختصاص
المغاربة بقراءة القرآن برواية ورش فيقال أن سببه هو قابلية رواية ورش للتلاؤم مع نطق الحروف
القريبة سواء من اللهجة المغربية أو الغات البربرية المنتشرة في المغرب، وطريقة المغاربة في ضبط المصحف تختلف نسبيا عن
طريقة ضبط المشارقة، فمثلا حرف القاف لدى المشارقة بنقطتين أعلى الحرف، بينما عند
المغاربة بنقطة واحدة، مما يجعل المشارقة يقرؤون كلمة مثل (القرآن) من مصاحف
المغاربة بطريقة خاطئة (الفرآن) بسب اختلاف النقط بينهما!
وأراد صاحبي أن
يشترى نسخة من المصحف المغربي، وخصوصا بعدما أظهرت له أن هناك فرقا كبيرا بين المصحف المشرقى والمصحف المغربي من حيث الكتابة، وعقدت
له مقارنة بين سورة الفاتحة عندهم وعندنا، فالفاتحة عندنا سبع آيات بالبسملة، أما
عندهم فهي سبع آيات من دون البسملة، ثم إنهم يقرؤن قوله تعالى: مالك يوم الدين بدون الألف (ملك يوم الدين).
وانتهى الوقت المحدد لتجوالنا في المول، وما كان لنا أن نبلغ منتهاه، و كان
السؤال الوحيد الذي بادرنا به بعضنا بعضا هو: ما الذي اشتريت؟ وجاء الجواب متطابقا: لا شئ! ولضيق
الوقت لم نستطع أن ندخل من وسط المدينة، هكذا أخبرنا السائق، ولا أدرى أكان صادقا
أم أنه أراد أن ينتهى من مهمته سريعا، وطلبت منه أن يدخل بنا من طريق غير الذي
جئنا منه، وفعل، ومررنا بمساكن ذات طوابق، أشبه بما عندنا في المدن الجديدة، وتظل
الدار البيضاء متفوقة على مدننا بالنظافة!
في المطار بدأنا حلقة جديدة من الإثارة، كدنا معها أن نتخلف عن الطائرة، فما
أن وصلنا إلى مكتب البوردنج حتى وجدنا فتاة حديثة السن، بطيئة الفهم، مشتتة الفكر،
طلبنا منها أن تعطينا البوردنج، فأبت، وعللت رفضها بأنها ليست مختصة بالرحلات
الداخلية، ونظرنا فوقنا فإذا بلافتة تشيرعلى أننا في المكان الصحيح، وواجهناها
باللافته فأصرت على الرفض، وأرسلتنا إلى طابق آخر، ولما وصلنا إليه وتحدثنا مع
موظفته لم تفهم مقصودنا، وطلبت منا أن نتحدث إليها بالعربية الفصحى؛ فهى لاتفهم
العامية المصرية، ونحن لا نحسن اللهجة المغربية. وتقدمت لهذه المهمة، وأخذت نفسا
عميقا ثم أخرجته وأطلقت العنان للساني، قلت لها:
- سيدتى، جئنا
من القاهرة على متن إحدى خطوط مصر للطيران، وكان يفصل بيننا وبين الطائرة المتجهة
إلى الرباط أكثر من 6 ساعات فسألنا ضابط الجوازات عن إمكانية خروجنا إلى الدار
البيضاء، فوافق، ولما عدنا توجهنا مباشرة نحو مكتب الخطوط الداخلية كي نحصل على
البوردنج، إلا أن الموظفة أبت، وأرسلتنا إلي هنا، مفهوم؟!"
- مفهوم،
أنتم هنا في مكتب للطيران الخارجي، عودوا حيث كنتم وأخبروها بذلك، مفهوم!
-
لا، لن نتحرك من هنا، مفهوم!
-
لا، لن أستطيع فعل شئ لكم، وستتخلفون عن طائرتكم،
مفهوم!
-
اتصلى إذن بالطائرة وأخبريهم أننا في المطار وأنكم
سبب تأخرنا!
-
ههههههه، أنت تمزح!
وهنا جذبنى رفيقى أن هيا بنا فلا داعى للمماطلة، وعدنا حيث كنا، ووجدت شابا
يجلس بالقرب من تلك الفتاة، حديثة السن، بطيئة الفهم، مشتتة الفكر، فأخبرته بما
حدث، فأدخل بياناتنا على الكمبيوتر، بينما راح ينظر إلى زميلته بنظرة عتاب، وينظر
إلينا بنظرة اعتذار! وكنا ننظر إلى زميلته بنظرة غيظ، وننظر إليه بنظرة شكر، ثم
سألناه:
-
هل سنلحق بالطائرة؟ فأجاب وهو يتكتك باصابعة على
لوحة المفاتيح:
-
هيا أسرعوا، فلم يبق أمامكم سوى نصف ساعة!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق