ورأيتها تعتدل في
جلستها، وأسندت رأسها إلى المقعد، ثم ألقت نظرة عابرة عن يمينها قائلة: يبدو أننا نحلق
الآن فوق الجزائر! فقلت لها وماذا عن المغرب: قالت: تقصد عاداته في الزواج! فأجبتها: نعم قد فهمتيى!
قالت وهي زائغة البصر، تحاول ترتيب أفكارها، أو ربما
كانت تفكر في الطريقة التى تزوجت بها، أو طريقة زواج إحدى أقرانها: "عند ما يرغب الشاب في فتاة،
تذهب أمه إلى بيت أمها، فإذا ما رأت ترحيبا، قاموا بتحديد موعد للعزومة، حينئذ يذهب
الشاب مع أبيه وأمه، وغالبا ما تكون الزيارة بعد صلاة العصر، كي يتناولوا الغداء
سويا، وإذا ما كانت هناك صلة قرابة بين العائلتين أو سابق معرفة ينتظر أهل العريس
حتى العشاء، ثم يتم الاتفاق على موعد الخطوبة.
وغالبا ما تكون عزومة
الخطوبة في بيت العروس، وتقدم فيها الحلويات والمشروبات والأطعمة، بحيث يجلس كل
ستة رجال على طاولة واحدة، ولا يجلسون على الأرض، وبينما هم يستمعون إلى الـ دي جي
وما يصدح به من أغاني شعبية مغربية ومصرية، تقدم لهم العصائر كبداية، ثم بعد
ساعتين يبدأ الخدم بتقديم الطعام! وهنا قاطعتها: ماذا تقصدين بالخدم؟ أجابت: منظمى
الحفل، ثم واصلت: ويقدم الخدم أكلة أو أكلتين أو ثلاثة. وقاطعتها مرة أخرى: ماذا
تعنين بأكلة أو أكلتين أو ثلاثة؟ قالت: هناك عائلات تضع أربع دجاجات لكل طاولة، ثم
بعد ذلك يؤتى بطواجن اللحم بالأناناس والبرقوق أو أحدهما، وبعده يؤتى بالسفة وهو
عبارة عن أطباق الشعرية، ثم ترفع ويؤتى بعده بأطباق مشكلة بأنواع مختلفة من
الفواكه، وهناك عائلات تكتفى بالدجاج أو بالدجاج واللحم. وبعد أن ينتهى الضيوف من
طعامهم، يدور الخدم عليهم بطاسات الغسيل
والأباريق! حتى لا يكون هناك زحام عند الحمامات.
-
كل هذا في الخطوبة! وماذا عن ليلة الزفاف؟
-
في الزفاف يؤتى بنصف خروف! قاطعتها: نصف خروف للجميع؟ أجابت: لا، لكل
طاولة!
-
لكل طاولة؟!
-
وسواء قضى على نصف الخروف أم لم يقضى عليه، يرفع ليحل محله الدجاج ومن بعده
أطباق السفة!
-
يا إلهى!
-
وقبل ليلة الزفاف بليلة تكون الحنة، وفيها يهدى العريس عروسته جاموسة،
فتذبح وتؤكل كلها في نفس الليلة! ويبدأ الزفاف في التاسعة مساءا وينتهى في الخامسة
من صباح اليوم التالى. وقبل الزفاف تذهب العروس للنكافة (الكوافيرة) وهي سيدة تختص
بتصميم الكوشة وتزيين العروس بلبساس القفطان المغربي وتختص كذلك بالحمام المغربي
الذي لا يقل في شهرته عن الحمام التركي، وتخرج العروس من الحمام عند الثانية عشرة
ظهرا، فتذهب إلى بيتها، فتستريح قليلا، ثم تأتي اليها النكافة، فتحضر لها قفطانا
جديدا أو مستأجر (كل على حسب إمكانياته) فقد يصل ثمن القفطان الواحد إلى عشرين ألف
درهم. وتبدأ الحنة عند الخامسة مساءا وتستمر حتى التاسعة، وفيها تجلس العروس في
كوشة خضراء لامعة، ثم تأتي النقاشة فتنقش للعروس وصاحباتها وسط رقص وغناء على
أنغام الـ دي جي، وتوزع الحلويات والعصائر، وبالليل يأتي الرجال ومعهم (الطلبة)
وهم قراء للقرآن ومنشدون، ويقدم لهم لحم الجاموس!
وفي اليوم التالى
تذهب العروس إلى اللجافة فتخرج من عندها بلباس أبيض. وتظل معها اللجافة وعدد من معاوناتها
فتستبدل العروس خمس فساتين في هذه الليلة!
وما أن وصلت الفتاة
المغربية عند هذه النقطة من الحديث حتى سمعنا قائد الطائرة ينادي: على السادة
الركاب برجاء التزام مقاعدكم وربط الأحزمة استعدادا للهبوط في مطار الدار البيضاء!
وانشغلنا في ربط
أحزمتنا، وارتعدت فرائسنا من كثرة اهتزاز الطائرة، خصوصا وأن مقاعدنا كانت في الصف
قبل الأخير، وهي من أكثر الأماكن التى يشعر فيها الراكب بالصعود والهبوط. لا أحب
الجلوس في مؤخرة الطائرة ولا أنصح به، فإلى جانب الرهبة وقت الصعود، وإلى جانب
الرعب وقت الهبوط، فهناك إزعاج دائم بسبب القرب من الحمامات، ومن مطبخ الطائرة!
وهبطت الطائرة بسلام وقبل أن أودع الفتاة المغربية
سألتها السؤال الأخير: ما إسمك؟ فأجابت: هاجر!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق