قبل الدخول مباشرة فى متن الكتاب علي أن اُشير
وبشكل مقتضب الى خلفية صاحبه، الفيلسوف باركلي ولد عام 1685 فى دبلن بإيرلندا
وتوفي فى إنجلترا 1753. يعتبر واحدا من كبار المُساهمين فى المدرسة المثالية
الفلسفية وهى المدرسة التى يتشيع لها شوبنهاور وكانط والبعض يضم معهم هيوم وسنعرف
بالتفصيل مبادئ هذه المدرسة عبر هذا الكتاب.
الكتاب يضم 3 محاورات بين هيلاس ( وهو الشخص الذي يؤمن بأن هناك مادة وأنها موجودة باستقلال عن العقل وأن على الإنسان بعقله أن يكتشف هذه المادة والطبيعة) وبين فيلونوس (الذي يمثل المدرسة المثالية ورأي باركلي والتي تقول لا توجد مادة على الإطلاق وإنما هى أشياء نحن من نصبغ عليها صفة الحرارة والبرودة والألوان والطعوم، فالنار على سبيل المثال نعطيها صفة الحرارة لكن هى فى حد ذاتها قد لاتكون كذلك (
1. المحاورة الأولى يحاور فيلونوس هيلاس بخصوص الجواهر الخارجية وهنا يقصد باركلي بالجواهر الخارجية الأشياء أو المادة الخارجية فيقول له أن الوردة تراها أنت حمراء بينما لو رأها شخص مصاب باليرقان (مرض مثل الصفرا يصيب العين بصفار ويجعل الشخص يري الأشياء صفراء جدا) سيقول إنها صفراء وربما شاهدها شخص يرتدي نضارة ملونة سيراها ملونة أما الوردة فى حد ذاتها فالله اعلم ! لانه لايوجد شئ قائم بذاته فى الطبيعة وإنما هى اشياء نضيف عليها معاني، ومثاله الأخر أنه حينما ينظر إلى النخلة من بعيد يراها صغيرة جدا ويحنما يقترب منها يراها ضخمة جدا فالمادة وهم وشئ موجود فى عقلك تُضفي على الأشياء معنى ولون ورائحة وطول وعرض لكى تستطيع ان تعيش بها ولكن لايعنى هذا بالضرورة أن الصفات التى وضعتها فى الأشياء صحيحة ويستدل باركلي من هذا على أن العقل هو أشرف واهم من المادة ( والتى يسميها الجواهر الخارجية)
2. فى المحاورة الثانية يثبت فيلونوس ( الذى يُمثل رأي باركلي) لصديقة هيلاس كيف أن النفس موجودة وأنها لاتموت كما يفنى الجسد فيقول له أن العقل الذي يدرك الأشياء يمر عبر الأحاسيس والتى تشعرها النفس فتنقلها للعقل ومثال ذلك : حينما اقتربت من النار فشعرت بالحرارة. هنا باركلي يقول أن النفس قد (شعرت بحرارة) النار ونقلت هذا الشعور( الحرارة) الى العقل فالعقل ربط بين الحرارة والنار ومن ثم أستنتج باركلي أن النفس موجودة وهى من تنقل الإستشعارات الخارجية إلى العقل كالإحساس بالجوع والعطش والنار والألم إلخ، ويُخبر صديقه أنه توصل لوجودها عبر ((اللمحة العقلية)) ففكرة النفس ليست فكرة من خياله. ثم يُخبرنا باركلي أنه رفض المذهب المادي لأنه سيؤدى الى الشك كما فعل مع ديكارت (يقصد أن إيمانك بأن فى الطبيعة مادة سيؤدى بك الى الشك فتسأل: هل الماء بخار أم ثلج أم سائل؟ لماذا أرى الملعقة مكسورة فى كوب الماء ثم لا أراها كذلك بعد إخراجها من الكوب؟ إلخ إلخ) ومن ثم يريد باركلي إزالة أى إلتباس ونفي المادة من أساسها حتى يجعل العقل وحده هو من يخلق التصورات والأشكال عبر النفس. فالأيمان بالجوهر الخارجي ( المادة) سيؤدي الى الشك ومن ثم ـ فى رأى باركلي ـ سيؤدى للإلحاد.
3. المحاورة الأخيرة تنقسم لقسمين: أولا يُثبت باركلي وجود الله عن
طريق القول بأن الإنسان حين يُدرك مثلا الوردة فهى موجودة لأن الإنسان يُضفي عليها
لون ورائحة وشوك إلخ وحين يحول الإنسان بصره عن الوردة فالوردة تصبح غير موجودة
وتظل شئ ما، وهنا يقول باركلي إن الله لم يخلق تلك الوردة وإنما هو حولها من فكرة
مجردة فى ذهنه الى شئ تستطيع أن تدركه أنت (مثال : كما أقول أن المهندس الذي بنى البيت كان عنده
تصميم لهذا البيت على الورق او على الأوتوكاد وصممه على الجهاز لو شخص نظر لهذا التصميم
لن هيفهم شئ لكن المهندس حين يذهب مثلا للمقاول سيُفهم المهندس الأخير كيف يضع
وأين يضع العمال الحديد والخرسانة والأعمدة إلخ إلخ ومن ثم سيحول النموذج المجرد الموجود
فى الأوتو كاد الى حديد وخسرانة وطوب وأسمنت وظهر البيت الذي ينتظره الناس والذي حين
تراه تعلم أنه بيت) ومن ثم فالله حين يفكر فى تفاحة مثلا فهو يخلق نموذج عام
ويُظهره في عقلك فتقول أنت عليه تفاحه
ويظل موجود طالما تنظر اليه وتفكر فيه وحين تنسى وتدير وجهك عن التفاحة تظل هى
موجودة لأن تصميم فكرة التفاح موجودة فى
ذهن الله وكما قلنا كل ما هو موجود فى الذهن فهو موجود على أرض الواقع. والقسم
الأخير مجرد تحصيل حاصل يعيد ويزيد فيه باركلي شرح مذهبه بتبسيط أكثر ويأتى بأدلة
من التوراة والأنجيل ليؤكد كلامه وهدفه هو ان ينقذ الناس من ((وهم الجواهر
الخارجية)) يعنى المادة ومن ثم حين يتأكد الناس انه لايوجد شئ اسمه مادة وان العقل
هو مايُضفي الطابع الخاص للأشياء عليها وان مانراه هى ((أشياء)) تسميها أنت تفاحة
وتسميها بيت وتسميها قلم ـ يقول لك باركلي ـ لابئس لكن هى فى حد ذاتها قد لاتكون
ذلك فما تقول عليه رائحة ياسمين قد يأتى شخص مصاب بالزكام لا يجد اى رائحة زكية
وقد يأتى شخص مصاب بحساسية فيأنف من شمها ويؤمن بأنها فيروس سيصيبه بمرض لو أقترب
منها أكثر وهكذا وهكذا وهكذا.
أخيرا الكتاب موجود فى المركز القومي للترجمة ب 11 جنيه وترجمته
ترجمة رائعة. أنصح بقراءته