الأربعاء، سبتمبر 17، 2014

الأخلاق في القرآن 15



تابع: أخلاق الفرد في القرآن

خلق غض البصر وحفظ الفرج

في طريق عودتي من مدينة الإسكندرية؛ بعد أسبوع علمي حافل، قابلت فيه أساتذه وباحثين في علوم مختلفة للغة الألمانية، وقد أسعدنى الحظ إذ شرفت بعرض فكرة بحثي التي تدور في الأساس حول أخلاق الإنسان في القرآن الكريم، وقد كان لتعرضي لآية غض البصر وحفظ الفرج باعتبارها من الآيات التى  تحث على الأخلاق الحميدة، أثره الواضح على الحضور، بحيث زاد النقاش، واحتد، واختلفت الآراء، وتنوعت، وعدت محملا بأفكار جديدة، وتصورات مختلفة، ولما حان وقت السفر، وتهيأ الجميع للوداع، نادت إحدى الزميلات بأن زوجها قادم بسيارته من القاهرة، وأنه لا مانع لديهما في أن يركب معهما من يرغب في ذلك. رحبت بالفكرة، وشكرت صاحبة الدعوة، وانضم إلينا زميلان آخران.

 قطعنا طريق مصر- اسكندرية الصحراوي في ثلاث ساعات أو يزيد، وعندما اقتربنا من طريق المحور المؤدي إلى مدينة السادس من أكتوبر استأذنتهم في النزول، فعبرت الطريق، ثم لوحت لأول سيارة مرت من أمامي، كانت سيارة نصف نقل كبيرة تتبع جريدة الأهرام، أعرفها تماما، فكثيرا ما كنت أستوقفها عندما كنت أعمل في السياحة، ساعتها كنت أتأخر في عملى فلا أجد سيارات الأجره، مما يضطرنى أن أركب مع من يتوقف لي، ولم أعرف – ولم أشأ أن أعرف- عما إذا كان سائقوا هذه السيارات التابعة للدولة يحتفظون لأنفسهم بما يتقاضونه منى ومن غيري أم أنهم يضعونها في خزينة الدولة!

سألت السائق، وكان رجلا ضخما، ذا شارب كبير، ويرتدي جلبابا رماديا، أشبه بجلاليب أبناء الصعيد، كم أدفع؟ أجاب بعد صمت ملحوظ:
-  2 جنيه.
-  تفضل!
 ناولته النقود، ثم ساد الصمت لعدة دقائق، قطعه بحديث إحادي عن ارتفاع أسعار البنزين، وأسعار السلع الغذائية، ثم انتقل إلى مشكلة ابنته مع زوجها، وكيف أنها تركت بيت زوجها لتعود فتعيش معه، وأنه – أي أبيها-  من ينفق عليها وعلى أبنائها الثلاثة وأنه وأنه. وفجأة  انتقل بالحديث من ابنته للحديث عن زوجته، وكيف أنه كان سببا في جعلها عاقر، ورأيت أن الكلام لم يعد مستقيما، فبدأت أشاركه الحديث مستفهما:
-        كيف تقول أن زوجتك عاقر ولك إبنه؟ 
-   كانت عاقرا في البداية ولكن الأطباء نجحوا في علاجها، وقد كنت السبب في ذلك. ولم يترك لي الفرصة كي أسأله عن شئ، فراح يقص حكايته:
-   " كانت زوجتى شديدة الجمال، وكنت أخشى عليها من زوج أختي؛ فنحن نعيش جميعا في بيت واحد، وكان الرجل وسيما؛ أشبه ما يكون برشدي أباظة، ففكرت في حيلة أصرف بها زوجتي عن النظر إليه هو وغيره، لاسيما وأن ظروف الخدمة العسكرية كانت تضطرني للمبيت خارج البيت كثيرا.
-        وماذا عن الحيلة؟
-   كنت أجامعها عشر مرات كل يوم وليلة؛ ست مرات بالنهار، وأربعة بالليل، حتى نتج عن ذلك الجماع التهابات كبيرة، اضطرتني لأذهب بها إلى الطبيب، الذي نهاني – بعد أن وبخني توبيخا شديدا- ألا أقترب منها لمدة خمسة عشرة يوما، وما أن عدنا إلى البيت حتى جامعتها أربع مرات.
-   " يخرب بيت أهلك"! لم يكترث الرجل لما نطقت به عن غير قصد، وواصل حديثه بقوله:
-   قبل الفرح بأسبوعين أحضرت لى أمي برطمانا كبيرا من السمن البلدي، كانت تعطيني منه كوبا في الصباح وآخر في المساء، وكنت أضع عليه في البداية قليلا من السكر، ثم أصبحت أتناوله تدريجيا من دون إضافات. كان لهذا الكوب مفعول السحر، وكان سببا في عقم زوجتى لعدة سنوات.

انتهى الرجل من حكايته، ثم ساد الصمت لدقيقتين، بعدها قطعه بنفس ما قطع به حديثنا الأول، تحدث  عن ارتفاع أسعار البنزين، وأسعار السلع الغذائية، ثم انتقل إلى مشكلة ابنته مع زوجها، وكيف أنها تركت بيت زوجها لتعود فتعيش مع أبيها، وأنه – أي الأب- هو من ينفق عليها وعلى أبنائها الثلاثة وأنه وأنه.. ثم انتقل إلى الحديث عن زوجته (بنفس الترتيب السابق)، وكيف أنه كان سببا في جعلها عاقر، إلى نهاية القصة... وعرفت أن الرجل مصاب بمرض النسيان، وأنه يكرر ما يقوله من دون أن يدري!
واقتربت محطتي، فاستأذنته ليتوقف، وسرت أفكر في ما كان من حديث الرجل وما كان من حكايته، وتذكرت قول الله تعالى:
"قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكي لهم إن الله خبير بما يصنعون"  سبحانك ربي، إن هذا الرجل وإن كان قد حفظ فرجه -في ظاهر الأمر- بالزواج، إلا أنه قد أساء الاستخدام بالإسراف فيه، فأوصله إسرافه فيما أحل الله له إلى هذه الحالة، حالة النسيان وعدم تركيز. لقد أمر الله بني آدم - وهو خبير بشئون عبادة- أن يتمتعوا بما أحله الله لهم من مأكل ومشرب ولكن من دون إسراف، قال تعالى: " يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا"، ثم أمر الله المؤمنين بغض أبصارهم وحفظ فروجهم وعلل ذلك بأنه أزكي لهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق