الاثنين، ديسمبر 18، 2017

على شاهين يكتب: رواية لا تُنسى أم كتاب للنسيان؟


سأتناول الكتاب فى ثلاثة بنود رئيسية :
1 - الغلاف وملحقات الكتاب :
أ – ( نسيان دوت كوم). ما الذي يعنيه هذا؟ لانجد كلمة “رواية” على غلاف الكتاب. ومن خلال العنوان يُمكن أن نقول أنه عنوان لموقع. وبالفعل، فالصفحات الأولى من الكتاب، تُشير الكاتبة لموقعها على الانترنت المخصص للنساء المجروحات، ومن تحمل ذكريات ترغب فى نسيانها.
ب – ” يحظر بيعه للرجال ” هى عبارة لا معنى لها ! هل كانت أحلام تظن أنها بتلك الكلمات الثلاث ستجعل من الكتاب أكثر جذباً للنساء؟ إن أحلام لاتحتاج لهذا الأغواء أو تلك اللفتة، فيكفى اسمها على أي غلاف لتضمن اكتساح كتابها فى السوق للجنسين. فالعنوان فيه شئ من التكلّف، لم يكن له داعى.
ج – لم أرَ في حياتي روائية ترفق مع روايتها ( أقول مؤقتاً روايتها) (سي دي) فيه أغاني من تأليفها؛ وبصوت جاهدة وهبة. وتُبرر الكاتبة هذا الأمر، برغبتها فى مساعدة النساء اللاتي شَقينْ من تذكر الحبيب، عبر أغانى للنسيان. ونجد في ظهر الكتاب موقع إلكتروني لنفس الغرض، وصفحة الروائية فى الموقع الأزرق.

2 -
 تصنيف الكتاب : من الصعب الانحياز لوصف حاسم للكتاب. لكنه بشكل عام يتحدث في الحب الكائن بين المرأة والرجل، وتحديداً الحب الوفى للمرأة ومُقَابلهُ من خيانة الرجل فقط. وفى هذا الحب يتفرع الموضوع إلى ثلاثة بنود :
البند الأول: يتناول الكتاب وصف الحُب بأنواعه ودرجاته. فهو دينمو هائل لكتابة رواية. وهو كالفصول الأربعة  يبدأ بلقاء ودهشة، ثم غيرة ولهفة، ثم لوعة الفراق، ثم روعة النسيان. وهي لاتذكره ـ أي الحُب ـ إلا وترفق معه توابع الفراق. لهذا لاتجد فى الكتاب أي وصف قائم للحب دون إلحاق النسيان به. على سبيل المثال لا الحصر:
 علينا أن نربي قلبنا مع كل حب على توقع احتمال الفراق والتأقلم مع فكرة الفراق قبل التأقلم مع واقعه، ذلك أن فى الفكرة يكمن شقاؤنا. ومثال أيضاًإذا كان الحب يملك شفيعاً وقديساً، فالنسيان يحتاج إلى آلهة. من أجل مصائب كهذه وُجدت العناية الإلهية..ووجد الأدب.
البند الثاني: يتضمن ـ أيضاً ـ الكتاب نصائح للنسيان : هناك فصل فى الكتاب يتحدث عن وصفات لنسيان رجل وبه ثمانية فصول يترواح الفصل بين صفحة إلى صفحتين. هى:
أن تَصريّ على النسيان، وتعيشي الحياة بقوة…الابتعاد عن الأغاني العاطفية… لاتَحلُمين بفارس الأحلام فهذا فى الروايات،فقط عيشي يومك.. لاتبحثى عن مكان الحبيب السابق، فغالباً ستجدينه قد ارتبط بواحدة من أصدقائك / قريباتك / مدينتك / إلخ إلخ… لاتنسى ما أستنزفه من صحتك وحبك، وتذكرى مافعله بك !.. دعيه يمضى في سلام، دون عتاب جارح او شتم ولعن.. لاتنسى أكل الشيكولاته والإكثار منها. والنصيحة الأخيرة، هي أن تجلس المرأة فى حمام مُعبّق برائحة البُخار وتترك لنفسها عنان التفكير الصافي والتأمل الهادىء وستخرج ب ” أم النصائح” لعلاج الذكريات المؤلمة، كما خرج أرخميدس بنظريته صائحاً : وجدتها.
إحدى مآخذي على الكاتبة، هى أن هذا الفصل لايتضمن كل نصائح النسيان ! فثمة نصائح مُبعثرة هنا وهناك. وفصل كامل يحتوى على ” منيو ” أدعية! حيث ثمة أدعية للانتقام ، وأدعية لطلب الهداية ، وأدعية للنسيان ، وأدعية على السيدة التى ستحل محل قلب حبيبها ! ونصائح للعفو، والمغفرة، ونصائح للانتقام ، ونصائح لتوريث الحسرة والفجيعة في قلب الرجل الغادر،أو الذى سبب أذى نفسي كبير. ونصائح للهروب من انتظار الأتصال، ونصائح لتوطيد النسيان بأى شكل تحت شعارلقد أعلمونا ـ أى الرجال ـ بأن النسيان ممكن جداً ، ولهذا نرغب فى إشعارهم بأن النسيان ليس حكراً عليهم)

وتختم الكاتبة كتابها بميثاق شرفي، به أربعة بنود تتعهد المرأة أن تلتزم بها عند الدخول فى أى حُب. وفحواه : أن تؤمن بانه لا وجود لما يسمى ” حب أبدى “.. وأن تتوقع أى شىء من الحبيب.. ان تكون جاهزة في اى لحظة للنسيان.. ليس ثمة رجل يستحق في الحياة أن تبكي عليه، لو أحبك حقاً ما أباكي.
البند الثالث: ثمة فصل يتحدث عن عشر قصص حب تحت بند (من قصص النساء الغبيات)كل قصة لاتتجاوز ـ ايضاً ـ الصفحتين. العجيب في هذا الفصل ، هو أن الكاتبة لم تحصر فيه كل قصصها. لأن الكتاب كله ملئ بشكل مبعثر بقصص نساء مخدوعات! بعضها ـ أى تلك القصص المبعثرة ـ لاتخدم الفكرة العامة التى جائت تحت عنوانها. وبعضها ـ أي القصص المتناثرة ـ كان الأفضل أن تنضم تحت لواء (من قصص النساء الغبيات). أيضاً نلاحظ أن القصص الـ 10 خالية من تفاصيل واضحة. بل هي أقرب لوصف انطباع عن حادثة منها إلى سرد قصة سيدة غبية. القصة الوحيدة الواضحة المعالم هي آخر قصة فى الكتاب ،حيث التفاصيل واضحة وفي سير الأحداث عِظة وعِبرة.
أسلوب الكاتبة :
أ – أحلام مستغانمى هي سيدة بارعة، بل قل مُبهرة فى الاستعارات والمجازات والتشبيهات تحديداً. تلك الثلاث الأخيرات هُنْ : النخاع الشوكى والطرفين ” لإسلوب أحلام. خد على سبيل المثال :
لاتبحرى بذريعة النسيان نحو الماضي، بحثاً في جثث البواخر الغارقة عن ذكرياتك الجميلة. في ذلك العالم السفلي المعتم للمشاعر قد تفاجئك كائنات بحرية مفترسة تتربص بنزولك دون زوادة الأكسجين نحو الأسفل. إن أردت الوصول لبر الأمان لا تغادرى البر أصلاّ. ابقى على سطح الأشياء. لأنك كلما ذهبت عمقاً، أعطيت المشاعر فرصة للفتك بك، وفتحت منافذ تطل على الذكرى.
ما حاجتك إلى (صدقة) هاتفية من رجل.. إن كانت المآذن ترفع أذانها من أجلك وتقول لك خمس مرّات في اليوم إن ربّ هذا الكون ينتظرك ويحبك؟. إن كان الحب من ذهب فالنسيان من ألماس، ثمة رجال يَثرونكْ بخسارتهم.. تعلّمي أن تميّزي بين صمت الكبار والصمت الكبير. فصمت الكبار يُقاس بوقعه، والصمت الكبير بمدّته… لاتستنزفي طاقتك بالأسئلة. لاتطاردي نجماً هارباً، فالسماء لاتخلو من النجوم. ثم ما أدراك، ربما في الحب القادم كان من نصيبك القمر.(انتهى)

ب – فى كل فصل فى الكتاب تكتب أحلام مقولة شهيرة، أو أقتباس ، وتُولّد منها استعاراتها وحيالها اللغوية.. فمثلاً تحت عبارة أوباما التي أفتتحت بها الفصل (بلى أنت تستطيع). تستلهم الكاتبة من معجزة وصول رجل أسود إلى البيت الأبيض، أمل جديد لكل سيدة تريد التحرر من ذكرى رجل، والثورة على تلك الذكرى التي تُحيل المرأة كعبد زنجى. في فصل (اصنعى من الذكريات تبولة) تستعير من الخضروات والأكل خصالها وصفتها ( الحارة ، الحامضة ، الحلوة ، إلخ إلخ) للمستعار له ( النسيان ، الذكريات المؤلمة ، الحزن إلخ إلخ). لكن خانها التوفيق فى تشبيه الحب القديم والجديد بالأحذية. حيث الحذاء الجديد يؤلم فى بدايته عند أرتداؤه. كذلك الحُب الجديد لن يكون مريح كالحُب القديم الذى أهترأ بثقوبه
.
ج – أفرطت الكاتبة فى استخدام كل آليات وأداوت البلاغة. ففي أكثر من فصل ـ من المفترض أن يقدم  نصيحة فعّالة أو توضيح ـ تجد نفسك فى خضم بحر من التشبيهات، والاستعارات، والجمال الفاتن فقط لا غير !. هو جمال يستنفر المرأة لتبني النسيان، لكن لايُقدم لها آليات وآدوات فعالة حقيقية لتنفيذه ! لاتوجد سوى بضع نصائح جيدة تصلح لتطبيق غرض الكتاب. كالصلاة، والدعاء، والانغماس فى الحياة، وضبط النفس ورباطة الجأش تجاه الهجر. والباقى أدب محض، ولغة كحلاوة العسل ؛ جميل جداً لكن ليس وجبة أساسية. آحلام كانت كمن يدق طبول الحرب، الصوت قوي، والايقاع يحبس الأنفاس ، والرهبة تستولى عليك، بيد انه بعد الانتهاء لاتجد حرب أصلاًتلك نقطة أولى.
النقطة الثانية : أغاني السي دي تنادى النسيان وتطلبه، لكن بهذه الأغاني تستدعي الكاتبة، الذكرى وتُهيجين الأشواق. الموسيقى بالفعل تُهَون كثيراً وبخاصة ـ كما قالت الكاتبة ـ الموسيقى الكلاسيكية، أما الأغاني العاطفية فهى ـ بالطبع ـ تستدعى ـ ولو بمقدار ضئيل ـ ذكريات نحاول تفاديها.
النقطة الثالثة : هل كان على أحلام أن تكون ” أخصائية نفسية ” لجرحى الحُب وضحاياه؟
لا.. هي مُخلصة فى مساعدة الجرحى والضحايا، حتى وإن فشلت فى وضع منهج للنسيان. ضف على ذلك، طُغيان الجانب الأدبي عليها. صحيح إن الإنسان من خلال لغة قوية، يستطيع أن يجعل كلامه للطرف الأخر مُقنع وقوى، لكن ليس بالبلاغة وحدها يُشفى الإنسان ! هي فى النهاية تعرض وجهة نظرها وبعض النصائح التى ربما تكون قد تحصلت عليها بالقراءة ، وبالاحتكاك بخبرات جرحى وضحايا سابقين. ومن ثم كتابها ” توليفة ” من نصائح وقصص قصيرة وأوصاف وتفنيد. لكن يصعُب توصيفه، ليس فقط لجماله وإنما لتنافره في بعض المواضع .
النقطة الرابعة والأخيرة : هل نستطيع أن نقول أننا فى حضرة ” دوستويفسكي الحُب”؟ من الإنصاف أن نقول أن أحلام قوية جداً فى التشبيه، والدخول إلى عمق نفسية قطبى الحُب ( الرجل والمرأة). أحلام أخلصت بحق لقضية ” ما الحب؟ ” .. لكن دوستويفسكى كان سباح عبقرى استطاع أن يكشف لنا عن عُمق وتعقيد وحقيقة النفس البشرية بكل وضوح وجاذبية، أما أحلام فيطغى على اسلوبها البلاغة القوية والديباجة والاستعارات المحفوظة. أعنى أنها أقتصرت على ” الحب بين الرجل والمرأة “. في حين كان دوستويفسكى ” استاذ ورئيس قسم ” النفس بكل صراعتها وأطوارها. أحلام كشفت لنا عن الزبد واللؤلؤ المكنون فى بحر النفس البشرية. دوستويفسكي كشف لنا حجم البحر بما فيه، فأي كلام يقال ـ بعد ذلك ـ فيه؟

وبعد ،
أهي رواية لاتُنسى أم كتاب للنسيان؟ تلك النقطة الخامسة أتركها لمن سيقرأ الكتاب
.
أما بالنسبة لي ؛ فهو كتاب صعب أن يُنسى لكنه ليس للنسيان !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق