السبت، ديسمبر 30، 2017

على شاهين يكتب: ملخص رواية (انقطاعات الموت) لـ ساراماجوا، ترجمة: صالح علمانى.


الناشر : صادرة ومترجمة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، ومتاحة بنسخة PDF.

من أجل تلخيص عمل فذ كهذه الرواية، عمدت إلى تقسيمها إلى ثلاثة أبواب. محاولاً قدر استطاعتى تحفيز القارئ لقراءتها، مع الاحتفاظ بعناصر التشويق وعدم حرق الأحداث، وليغفر لى القارئ إذا ما تجاوزت ما وضعته لنفسى من خطوط حمراء بخصوص العنصريين اللذين ذكرتهما؛ فالحياد عند وصف الزهرة لن يكون كالحياد تجاه وصف العسل.
الباب الأول وفيه نجد أنفسنا فى مملكة نظام حكمها ملكي برلماني يهجرها الموت! البيوت تنهار ، والحرائق تشتعل فى المنازل ، والمرض يُصيب الناس لكن لا أحد يموت! بعض الناس ابتهجت لاعتزال الموت وظيفته، وفرحوا لإنهم سيكونوا مُخلدين، ومن نحبه سيظل مدى العمر بجوارنا، فلا ألم للفراق ولا حنين إلى الأسلاف. لكن الأمور لم تسير على هذا النحو، فقد بدأت المشاكل بل ـ كما سنرى ـ الكوارث فى التفاقم
الأزمة الأولى كانت من نصيب المرضى فى المستشفيات ، فهم يتألمون ويصرخون ولكن لا يموتون. والمستشفيات تُعاني من نقص فى الأسِرّة نتيجة زيادة أعداد المرضى. نفس الأزمة واجهت بيوت المسنين حيث العدد يتزايد، ولا أحد منهم يموت ليُخلى مكانه للوافدين الجُدد. مما دفع المسؤلين عن هذه المستشفيات وبيوت المسنين لطلب النجدة والحل من رئيس الوزراء.
الأزمة الثانية كانت من نصيب صانعي التوابيت والحانوتَّية. إذ بعد اختفاء الموت، لم يعد لوجودهم أى معنى! مما تسبب فى اجتماع عاجل لحل هذه المشكلة العويصة، فاقترح رئيس الوزراء عليهم أن يكتفوا بدفن الحيوانات (عصفور، كلب، قطط) باعتبار أنها الكائنات الوحيدة التى تموت فى المملكة. ولكن هذا الأقتراح لم يكن مُجدىّ بل وشعروا بالأهانة. ولم يكن لهم بُد من "طلب النجدة والحل من رئيس الوزراء ".
الكارثة الثالثة كانت من نصيب شركات التأمين. فما معنى طلب التأمين على نفسي وعائلتي وأنا أصلاً مُخلد ولن أموت؟! فقرر من شملهم التأمين، سحب بوليصة التأمين والمطالبة باسترداد أموالهم. مما تسبب فى إفلاس سريع وفورى لتلك الشركات. ولم يكن لهم مفر من "طلب النجدة والحل من رئيس الوزراء"
المصيبة الرابعة كانت من نصيب نظام المعاشات. فكبار السن بما أنهم لن يموتوا، فإلى متى سيأخذون معاشهم الذى يُستقطع جزء منه من راتب الشباب والعاملين؟ وكالعادة " طلب العاملين النجدة والحل من رئيس الوزراء". 
الضربة الخامسة كانت قاضية لأنها جائت فى القضاء! فما جدوى التشريعات بخصوص الميراث والجميع مُخَلد؟ ثم ما قيمة أحكام وتشريعات القتل؟  إن فرضنا أن مريض يتألم حاول الإنتحار ليرتاح من ألمه، أو حتى شخص مكتئب يمر بأزمة عاطفية، فعلى أي أساس سيحاكم؟ أليس الموت أمر طبيعى للإنسان؟ وحين أسعى لهذا الأمر بكل الطرق، فما المبرر الذى ستمنعنى بمقتضاه؟ فلم تجد تلك المنظومة بُد من "طلب النجدة والحل من رئيس الوزراء ".
الزلزال الأكبر على الإطلاق كان واضحاً فى الجيش. فما معنى الوقوف المُملل على الثغور والحدود وأمام العدو وأنا أصلاً لن أموت لا برصاص العدو ولا برصاص المحاكم العسكرية؟ ثم إن ما فعله الموت باعتزاله قد أطاح بمعنى (التضحية، الشجاعة، الفداء، إلخ إلخ). فما الذي يُجبرنى على الألتحاق بالجيش؟ ويلوح فى الأفق إنقلاب عسكرى ! ولنا أن نتصور كيف أصبحت حالة رئيس الوزراء الأن !.

الباب الثانى :
بالصدفة البحتة يكتشف أحد سكان المملكة دولة مجاورة يموت الناس فيها بشكل عادى، وبعد التجربة على حماه العجوز، يتأكد أن الموت فعّال فى تلك الدولة. فيذهب ليُخبر أبناء مملكته عن هذا الأمر! وللقارئ حق التصور والتخيُّل في ما سيُحدثه هذا الخبر. وكيف انقلب الوضع رأساً على عقب بشكل مهول! وهو الانقلاب الذى ساُطيخ به إن حاولت سرده بالتفصيل.
الباب الثالث: فى إحدى مرات قبض الأرواح، تجد المنيّة (الموت) صعوبة فى قبض روح شخص عادى، فقد كانت ترسل خطابا بنفسجيا لكل من ستقبض أرواحهم ، لتُعلمهُم أنه تبقى من أعمارهم أسبوع. وعقب انتهاء المدة ستقوم بقبض أرواحهم. إلا أن هذا الشخص كلما أرسلت له المنية الخطاب تجد الأخير يُعاد رده إليها! فتتحير وتتعجب من هذا الأمر ! فتُقرر الذهاب إليه متنكرة فى هيئة سيدة جميلة لحل هذا اللغز. فتجده عازف ( تشيلو) بسيط فى كل شئ بدءاً من ملابسه وانتهاءاً بيومه. فى كل محاولة جادة منها لإعطاءه الخطاب يداً بيد تقع الموت أسيرة فى عزف الموسيقار! تطلب منه أن يعزف لها باخ، بيتهوفن وغيرهم. وفى كل مرة تجد نفسها عاجزة عن ممارسة سطوتها وقوتها أمام عزفه! لقد انتصرت الموسيقى على الموت! فلإن كانت الأخيرة قَدرْ ، فالموسيقى مصدر عزاء . ولإن كانت المنيّة قادرة على دفننا فى التراب، فالموسيقى هى البعث لأرواحنا. الموت هو نهايتنا، لكن أمام الفن تنتهى حدود الموت.
أسلوب الكاتب :
يعتمد سارماجوا على الإكثار من المجازات والكنايات فى الوصف والسرد، وبذلك يمنح القارئ زوايا جديدة تُمكنه من مشاهدة الحدث كما لم يراه فى فلسفة أو تنظيّر فكري. يحتاج الكاتب لكثير من التركيز حيث أن جُمَله طويلة وأحياناً تأخذ صفحات بأكلمها. كذلك يعتمد على الجمل الإعتراضية فى كثير من سرده. ما يُميزه أيضاً هو قدرته على الانتقال السريع والمُبهر من دور ناقل الحدث بموضوعية، إلى دور الفاعل فى مجريات الأحداث، ثم إلى دور القَاص، ثم إلى دور المُحلل لواقعة، ثم العودة لدور الناقل الأمين لما يجرى للبطل، ثم تركيز البؤرة على شخص بعينه.
كذلك يتعمد الكاتب فى الحوارات بين الأبطال أن يكتبها فى سطر واحد مُتصل. ومن ثم التركيز مفيد ومهم.  بشكل عام؛ هو خلّاب فى أى دور يتخذه فى الرواية. فقبضته قوية فى لم شعث الأحداث، ولايفلت من يده خيط واحد من فاتحة الرواية حتى الخاتمة. وأقوى مافى رواياته بشكل عام، هو القدرة المدهشة على عرض تفاصيل الوقائع وتتبُعها لنهايتها، كما يقول ( تين) فى كتابه فلسفة الفن: إن القدرة الفنية ليست فى الإغراب وتلف المحال، بل فى حسن أختيار التفاصيل المميزة

بعض العبارات الجميلة فى الرواية:
1 -  الأرض وادى للدموع.
2 -  أى حذر مع الكلمات يظل قليلاً لأنها تبدل رأيها كما الأشخاص
3 - الموت لايرُد ، ليس لإنه لايريد الرد ، وإنما لإنه لايعرف ما الذى يقوله فى مواجهة أشد ألم إنسانى.
4 -  التسرع ناصح سيىء.
رسالة الرواية:
1 - يُريد ساراماجو  ـ فى المقام الأول ـ إيصال رسالة مُفادها: أن الموت هو جزء من الحياة وليس أمر شاذ أو غريب لابد أن نفزع منه، أو كما يقول أحد كبار مُعلمى الزِن (إيكهارت تول) : الموت ليس ضد الحياة، ضد الموت هو الولادة. فلو بكينا على وفاة من نحبهم، فسننزعج بنفس القدر من الحزن على توقف الموت. وبشكل مُبهر وحقيقي؛ كشف ساراماجوا عن تداعيات غياب الموت. يكفى- فقط- النظر إلى المرضى الذين لاشفاء لهم، حتى نؤمن بأن الموت ضرورى.
2 -  فى المقام الثاني، يؤمن ساراماجو بأن ثمة نوعان من الموت: موت و الموت. موت يقصد به وفاة شخص حىي أو كائن حي. وفى نظر سارماجوا ليس هذا موت حقيقى بل هو انتقال الكائن الحى من هيئة معينة وتحوله لهيئة أخرى داخل اطار الطبيعة. فمثلاً وفاة الإنسان وتحلله، يعود بعناصر تكوينه إلى الطبيعة (كاسيوم، حديد، زنك، إلخ إلخ). كما دودة القز، نقول انها ماتت لكنها فى الواقع وُلدت من جديد لكن بشكل فراشة. وكما يقول لافوازيه: لاشئ يفنى ولا شئ يبقى وإنما هى تحولات. وفى هذا المعنى يؤمن سارامجوا برؤيته للحياة قائلاً بكل وضوح: كل واحد منا هو الحياة فى اللحظة الراهنة. أما (الموت) : فنستطيع أن نقول أنه انتقال الشئ من وجوده إلى العدم ! والأخير هو مايؤمن به سارامجوا بأنه سيلتهم الحياة كلها يوم ما بما فى ذلك (موت).
3 - فى إحدى الفصول، حتى تُقرر المنية أن تعود، ترغب فى التوصل لحل وسط بدلاً من الانقطاع المفاجئ أو العودة المفزعة. فتُقرر أن تُرسل خطاب بنفسجى اللون تقول فيه للمُسلتم، إن أمامه سبعة أيام للعيش قبل أن يموت. ولكن حتى تلك الآلية أصابت البشرية باضطراب وهلع، وأنشطر الناس بين فريق ماجن شهوانى يرغب فى التمتع بكل أشكال اللذة قبل انقضاء المُهلة، وفريق آخر اعتزل العالم وعكف على أعمال الخير والبر ليغفر الله له! وخرجت المظاهرات، وانتقدت الصحف المَنيّة، ولم يختلف رد فعلهم كثيراً عن الأنقطاع الأول.
 درس أخر يُريد ساراماجوا كتابته على سبورة قارئ الرواية، وهو أنه من الحكمة ألا تحزن على جهلك بما ينتظرك من الغد، ولا على موت شخص ما بشكل مُفاجئ، وأن الرضا بما قضت به المنية هو خير رد فعل.

4 - الفن ، والمسيقى تحديداً هو مايجعلنا ننتصر على الموت! لأن الموسيقى ليس لديها مدة صلاحية فهى كالموت، مُطلقة ولاتعرف حدود. الفصل الأخير كشف لنا ساراماجوا عن المصل الوحيد ضد الموت، والذى أجبر حتى الموت أن تتواضع وتتجسد على شكل. ولهذا ليس غريباً أن نرى المنية تمسح دمعتها بكفيها وهى تسمع من انتصر عليها بـ(تشيلو) للإنسانية، وفشلت هى بكل جبروتها أن تُخضِع الأخيرة. وكيف لا، ألم يقل نيتشه: أنا لا أستطيع أن أُفرق بين الموسيقى والدموع !



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق