مصطفى محمود هو فيلسوف، وطبيب، وكاتب مصري، درس الطب وتخصص في الأمراض الصدرية، لكنه تفرغ عام 1960م للكتابة والبحث والتأليف، ألَّف العديد من الكتب المتنوعة منها الدينية، والفلسفية، والعلمية، والإجتماعية، وكان مقدمًا لبرنامجه الشهير "العلم والإيمان"
تحدث الدكتور مصطفى محمود
في هذا الكتاب عن نظرية النسبية، وتم عرضها بطريقة سلسة، ومبسطة، وتحدث عن مجهودات
العلماء لتبسيط نظرية النسبية، وتجارب بعضهم لفهم بعض الأمور المتعلقة بها.
الكتاب صغير الحجم لا تتجاوز عدد صفحاته المائة، تناول
عدة موضوعات منها: مبدأ الشك، المكان، الزمان، الكتلة، الحركة المطلقة، وغيرها من
المواضيع الأخرى.
تم وضع نظرية النسبية في
بداية عام 1905م من قبل أينشتين، ودارت حولها نقاشات عديدة، وكان لا يقربها إلا
المختصون، وكان يسمع عنها القارئ العادي في خوف وذعر ولا يجرؤ على الخوض فيها
نظرًا لما بها من غموض، وقد خرجت لنا نظرية النسبية من حيّز المعادلات الرياضية،
والفروض لتتحول إلى واقعٍ رهيب، وقد تعددت المحاولات من العلماء لتبسيطها،
وتقريبها إلى الفهم مثل: أدنجتون، وجيمس جينز، وغيرهما. وكان يحاول أينشتين أيضًا
تبسيطها، حيث قال: "إنَّ قصر المعلومات على عدد قليل من العلماء بحجة التعمق،
والتخصص، يؤدي إلى عزلة العلم، ويؤدي إلى موت روح الشعب الفلسفية" (ص: 5)
وقد انهار اليقين العلمي القديم، حيث أنه كان
يقينًا ساذجًا، وكشف لنا هذا أينشتين من خلال نظرية النسبية، تم طرح عدة أسئلة في
بداية هذا الكتاب منها: -هل نحن نرى الدنيا على حقيقتها؟ هل هذه السماء زرقاء؟وهل
الحقول خضراء؟ وهل الرمال صفراء؟ هل الماء سائل والجليد صلب؟ هل العسل حلو والعلقم
مر؟ هل الزجاج شفاف والجدران صماء؟
وكانت الإجابة على هذه
الأسئلة بالنفي، لأنها ليست الحقيقة. هذا ما نحسه ونراه بالفعل، ولكنه ليس كل
الحقيقة؛ فالنور الأبيض الذي نراه إذا قمنا بتمريره من خلال منشور زجاجي، فإنه
سيتحلل إلى ألوان الطيف وهي: الأحمر، البرتقالي، الأصفر، الأخضر، الأزرق،النيلي،
والبنفسجي. فإذا نظرنا إلى ماهية الألوان، لن نجد أنها ألوان، بل عبارة عن موجات
لا تختلف إلا في طولها، وذبذبات متفاوتة في ترددها، لكن أعيننا لا تستطيع أن ترى
هذه الموجات كموجات، أو الذبذبات كذبذبات، لكن الذي يحدث هو أن الخلايا العصبية في
قاع العين تتأثر بكل نوع من هذه الذبذبات بطريقة مختلفة،ومراكز البصر في المخ
تترجم هذا التأثر العصبي على شكل ألوان.(ص: 7)
تناول الكتاب كذلك مبدأ الشك، وقام بالتحدث عن
الضوء، وتسائل: هل هو أمواج أم ذرات؟ فقامت تجارب أوضحت أن الضوء عبارة عن موجات، وقامت
تجارب أخرى أوضحت أن طبيعته مادية ذرية، فتقدم العالم الألماني "هايزنبرج"
وبرفقته العالم "بورن" بمجموعة من المعادلات يمكن من خلالها حساب الضوء
على أنه موجات وعلى أنه ذرات، وأن هذه المعادلات تصلح للغرضين في وقت واحد. ويقول
العالم "هايزنبرج": "الحقيقة المطلقة لا سبيل إلى إدراكها". (ص:
26)
العلم لا يستطيع أن يعرف حقيقة أي شئ، لكنه يعرف
كيف يتصرف هذا الشئ في ظروف معينة، ويستطيع كشف علاقته من غيره من الأشياء، ويحسبها،
ولكن لا يستطيع معرفة ما هو. فالعلم يدرك كميات، ولكن لا يدرك ماهيات، ولاسبيل
للعلم لإدراك المطلق، وهو يحيل الألغاز إلى ألغاز أخرى.
تناول الكتاب أيضا تعريف المكان والزمان طارحا
تساؤلات مثل: ما هو المكان؟وما هو الزمان؟ ولقد كان أول سؤال سأله أينشتين: هل
يمكن تقدير وضع أي شئ في المكان؟ إذا أردنا تحديد موقع شئ بالنسبة لموقع شئ آخر هل
نقدر على ذلك؟ إذا أردنا تحديد موقع راكب على ظهر سفينة في البحر ونقيس مكانه
بالنسبة للصاري، هذا التقدير خاطئ لأن الصاري يتحرك مع السفينة التي تتحرك في
البحر، وإذا حاولنا أن نعرف موضعه بالنسبة للأرض مع تقاطع خطوط الطول ودوائر العرض
فلا نستطيع ذلك أيضًا؛ لأن الأرض تتحرك حول الشمس، ويكون خاطئًا أيضا إذا قمنا
بتحديد الموقع بالنسبة للشمس لأنها أيضًا تدور مع مجموعتها الشمسية في المدينة
النجمية، وتدور المدينة النجمية في مجرة درب التبانة، فلا جدوى من ذلك. حتى إذا
أحطنا بكل المجرات وعرفنا حركتها كلها بالنسبة للكون، لن يفيد أيضًا؛ لأن الكون في
حالة تمدد،وأقطاره في حالة انفجار دائم في جميع الاتجاهات، إذن يوجد استحالة في
ذلك. فنحن نقدر موضع الشئ النسبي بالنسبة لكذا، أما وضعه الحقيقي فمستحيل معرفته.
والزمان لأينشتاين هو كالمكان المطلق في النسبية لا وجود له، وفي تحديد وضع جسم
يلزم أن نقول إنه موجود في المكان كذا في الوقت كذا؛ لأنه في حركة دائمة. يقول
أينشتين أيضا بالتعبير الدارج "أن الزمان عبارة عن تعبير عن انتقالات رمزية
في المكان". الزمن المعروف بالساعة واليوم والشهر والسنة ما هو إلا مصطلحات
ترمز لدوران الأرض حول نفسها، وحول الشمس. الزمان والمكان متصلان في حقيقة واحدة. كل الساعات التي نستخدمها على الأرض مضبوطة على النظام
الشمسي، لكن النظام الشمسي ليس النظام الوحيد في الكون، فلا يمكن أن نفرض هذا
التقويم على الزمني على الكون؛ فالسنة الأرضية على الأرض غير السنة على عطارد وغير
باقي الكواكب، وأسرع وسيلة مواصلات كونية إلى الآن هي الضوء، وهذه السرعة تمثل
حدود معلوماتنا، والسقف الذي تنتهي عنده المعادلات والرياضيات النسبية الممكنة.
ويعتبر سرعة الضوء هو الثابت الكوني الوحيد، فينبغي تعديد الكميات التي نعبر بها
عن الزمان والمكان في كل المعادلات لتتفق مع هذه الحقيقة الأساسية. ويصبح إذًا
الزمان والمكان مقدارًا متغيرًا.
أرى أن هذا الكتاب ممتع فقد
أظهر لي على الأقل عبقرية عقل أينشتين، وأتى بأمثلة بسيطة، وموضحة لمفهوم النسبية،
وأكد كذلك أنه لا يوجد شئ يسمى ب"اليقين العلمي"، وأن علينا أن نتقبل
إزدواجية الحقائق؛ فقد كان الخلاف مثلا بين العلماء محتدما لمعرفة حقيقة الضوء، هل
هو ذرات أم أمواج، وهذا في ذلك الخلاف تناقضًا
بل قد يكون الخلاف تكاملاً، وهناك أمثلة
كثيرة على ذلك، ولو كان الأمر بيدي لوضعت هذا الكتاب مقررًا لمناهج المرحلة
الأعدادية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق