الجمهورية الثانية بين محاربة
الفساد واحترام سيادة القانون
استضافت نقابة الصحفيين يوم الثلاثاء الماضي الموافق
التاسع عشر من شهر يونية عام ألفين واثني عشر ندوة تحت رعاية "مؤسسة القاهرة
للأبحاث والتنمية" تحت عنوان "الجمهورية
الثانية بين محاربة الفساد واحترام سيادة القانون" وقد جاءت الندوة لكي يشارك الخبراء المصريين
والتشيكيين خبراتهم في مجال حملات محاربة الفساد وإعلاء دولة القانون في كل من
جمهورية مصر العربية وجمهورية التشيك التى قامت بها ثورة في العقد الماضي.
وقد دارت
المناقشات حول ثلاث محاور أساسية هى:
-
المحور الأول : التطورات في جمهورية التشيك في مجال
محاربة الفساد واحترام سيادة القانون بعد الثورة التشيكية والتحول الديموقراطي ومن
ثم الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
- المحور الثاني : تصورات عن مستقبل مصر في مجالي محاربة الفساد
واحترام سيادة القانون مع بداية الجمهورية الثانية.
- المحور الثالث : دور المجتمع المدني ومدي الحاجة إلى الاستعانة
بخبرات نشطاء المجتمع المدني في الدول الصديقة التى سبقتنا في هذا المجال .
أهمية المناقشة.
تكتسب هذه الندوة أهميتها
من خلال
موضوعها والوقت الذى حدد لها، حيث أصبحنا الآن فى منعطف خطير يهدد الثورة المصرية،
فإما أن نستفيد بخبرات الذين سبقونا
ونتعلم من تجاربهم، وإما أن نتعثر في الطريق ونتأخر، لذا كان لابد من تجميع هذه
النخبة من الخبراء التشيك للتعرف على آرائهم و الاستفادة من خبراتهم.
ملخص ما جاء في المناقشات:-
أولا:- الجزء الأول من الندوة ودار الحديث فيه تحت
عنوان " الإعلان الدستوري المكمل بين القبول والرفض"
- تحدثت الدكتورة إحسان يحيي عن مركز القاهرة للأبحاث والتنمية
وذكرت أن من أهدافه الوصول لنهضة مصر عن
طريق العلم وأن شعار المؤسسة والذي تغير من " العلم أساس النهضة " إلى "بالعلم
نبني مستقبل مصر" ، ثم تحدثت بعد ذلك عن الرسالة التى يبرغب المركز في
تأديتها هي النهوض بالمجتمع المدني من خلال البحوث العلمية واستخدام طريقة البحث
العلمي في كافة المجالات.
- تحدث الدكتور هشام البدري عن سيادة القانون والإعلان
الدستوري المكمل وقد استشهد في حديثة
برسالة الدكتوراة التى حصل عليها والتى كانت تحت عنوان " كيفية الموازنة بين
الإنفاق العام وإعادة توزيع الانفاقات العامة من خلال الدستور" وقد فجر
مفاجئة بقولة " نحن نتوهم أن المحكمة الدستورية العليا تراقب جميع القوانيين
، المحكمة الدستورية لا تراقب إلا 7% من القوانين " وقال بأن مصر تعد من
الدول النادرة التى لم يعرض قانون الموازنة العامة للدولة على المحكمة الدستورية
العليا ولو لمرة واحدة !! ثم ذكر أن هناك فسادا تشريعيا وأن رجال الأعمال هم وحدهم
المستفيدون من هذه القوانين. وأرجع الدكتور البدري الحل إلى إخضاع الموازنة العامة
للمحكمة الدستورية العليا مع خلق آلية إجبارية لنقل هذه النصوص للمحكمة الدستورية
العليا .
-
الدكتور أيمن نور تحدث بدورة عن أن الوثائق الدستورية
مرتبطة ارتباطا وثيقا بالحديث عن الحقوق والاستحقاقات حتى يكون للمجتمع القدرة على
محاربة الفساد، وأكد على ضرورة التجرد فى الشريعات حتى لا تكون عرضة للأهواء وأورد
قصة لإبن الهرمة والتى هي كالتالى:-
ابن
الهرمة كان صديقًا ونديمًا للأمير، وكان يذهب إليه في المساء، بعد أن تنام المدينة كلها، ليسامره
ويسري عنه لما عرف عن ابن الهرمة من خفة الظل وإدمان الخمر!! وكانت المشكلة
اليومية أن ابن الهرمة عندما ينصرف من قصر الأمير في جنح الظلام يصادفه العسكر
ويستوقفونه، فيتلاحظ لهم رائحة الخمر وهي تفوح من فمه فيقبضون عليه، ويحيلونه
للقاضي!!.. كان ابن
الهرمة لا يريد أن يكشف سره وسر الأمير ولا يستطيع بالتالي أن
يقول للعسكر إنه كان يشارك
الأمير في كل شيء، وبالتالي كان ينساق لأوامرهم ويذهبون به إلي القاضي الذي يكاد يقيم عليه
الحد حتي يستيقظ الأمير ويتدخل للعفو عنه في اللحظة الأخيرة!! وكان هذا يسبب حرجًا
للأمير، وألمًا وإهانة لصديقه ابن الهرمة. وذات يوم بحث الأمير
عن ابن الهرمة فلم يجده فأرسل في طلبه فحضر صديقه إليه، مشترطًا عليه، أن يعطيه
«صكًا» يضعه في جيبه، ويقدمه إلي العسكر حتي لا يقبضوا عليه إذا وجدوه
سكرانًا!! استشعر الأمير الحرج في أن يكتب صكًا يطلب فيه من عسكره
عدم القبض علي رجل شارب الخمر، لما يحتمله هذا من شبهة الخروج عن الشرع،
والتعارض مع حدود الله، فطلب من ابن الهرمة أن يفكر في حل آخر يقيه شر العسكر
ولا يضع الأمير في هذا الموقف الحرج أمام الرعية، ورجال الدين، وخصوم الأمير!! غاب ابن الهرمة أيامًا، وعاد للأمير ومعه الحل، وكان الحل أن
يصدر الأمير مرسومًا أميريًا يقول فيه الآتي: نحن أمير المؤمنين وقد
تلاحظ لنا، أن هناك من بين الرعية رجلاً يدعي ابن الهرمة، كثر القبض عليه
ليلاً وهو شارب الخمر، وقد عفونا عنه مرات ومرات دون أن يرتدع لذا نأمر
بالآتي:- «إذا
ضبط ابن الهرمة سكرانًا في أي وقت من أوقات الليل والنهار يجلد مائة جلدة، ويجلد
من شارك في القبض عليه خمسين جلدة. وهكذا ضمن ابن الهرمة أن صدور هذا المرسوم الأميري سيمنع
أيًا من عسكر الأمير من التعرض له أو القبض عليه، وأصبح ابن الهرمة
وقانونه مضربًا
للمثل في التحايل بالقانون لتحقيق رغبات الأمير وصديقه.
ثانيا:- الجزء الثاني من الندوة والذي جاء تحت عنوان " الجمهورية
الثانية بين محاربة الفساد واحترام سيادتة القانون"
-
السيد فرانتيسيك هافليين تحدث عن التطورات في جمهورية التشيك بعد ثورة 89
وخاصة مشاركة المواطنين بها. وبدأ حديثة
بقوله " لا تعتقدوا أن التحول الديموقراطي قد انتهي في جمهورية التشيك "
ثم استطرد بقولة " كان هناك إجماع عام من إرادة الديموقراطية، ولم يكن هناك
من يستطيع أن يعارض، وكان الموضوع أسهل كثيرا مما هو عليه الحال في مصر. وبعد
الثورة بوقت قصير حدثت تغييرات كثيرة في الدستور وتم التخلص من الحزب الشيوعى، ثم
أجريت انتخابات حرة، ومن ثم فقد بدأت التعددية الحزبية، ثم بدأ النمو الاقتصادي في
الازدياد؛ إلا أن الثورة التشيكية قد أغفلت التحول القانوني مما أدى إلى ظهور
ممارسات فاسدة، وفي سنة 1992 تم تقسم تشيكوسلوفاكيا إلى جمهوريتان هما التتشيك
والسلوفاك، وقد تم هذا التقسييم بطريقه سلمية للغاية، ويعد هذا استثناءا نادرا
يحدث في العالم.
وقد ذكر السيد فرانتيسيك
هافليين أن الصفقات التى عقدتها الأحزاب المنتخبة مع المعارضين أصابة المجتمع
التشيكي بخيبة أمل، وبدأت في تحريرهم من الوهم، مما أدى إلى تحول منظمات المجتمع
المدني إلى منظمات احترافية بعدما أخذت تتبادل الخبرات مع المؤسسات الإجنبية
" الهولندية والاسكندنافية على سبيل المثال"
وقد شدد السيد فرانتيسيك هافليين على ضرورة
مشاركة المواطنين لصناع القرار وعدم الاكتفاء بوضع أصواتهم في الصندوق.
-
الأستاذة حبيبة محسن باحثة في المنتدي
العربي تحدثت عن المشاركة
المجتمعية في مصر قبل وبعد الثورة، وذكرت أنه قبل الثورة حدث انسداد لقنوات
المشاركة التقليدية ومن ثم فقد قام المجتمع المصري باستحداث قنوات أخرى جديدة بديلة
للمشاركة المجتمعية من أمثال " المدونات، والفيس بوك، والتويتر " ثم
ذكرت نتائج الاستطلاعات التى أجرتها حول حالة المشاركة عبر المجالس المحلية في مصر
وذكرت أن النتائج كانت كالتالي :- 60% يعرفون المجالس المحلية ، 38% يدركون
لأهميتها ، 8% يتواصلون معها . وأما عن نسب المواطنين للجهات التى يلجئون إليها
فقد جائت كالتالي: 41% للمجلس المحلى ، 38% لمجلس الشعب ، صفر% للشرطة ، و42% لجهات
أخرى. وعن رؤية المواطنين لمزايا المجالس المحلية فقد جاءت النسب كالتالي:- 34% لا
يوجد ، 23% يرون انعدام فاعليتها ، 22% يرون أنها تستغرق وقتا طويلا للإنجاز
العمل.
وقد أقرت الباحثة حبيبة محسن في نهاية كلمتها أن مشاركة
المواطنين في المحليات أمر بالغ الصعوبة نتيجة للقوانين المعيقة ونتيجة غياب الوعي
من أهمية المحليات.
-
السيد ستاسيلان لميراتك من منظمات مكافحة الفساد في التشيك تحدث عن "
الحكومة موضع المسائلة ومكافحة الفساد في علمية التحول التشيكي"
السيد لميراتك عدد المشكلات
التى واجهت الديمقراطية بعد ثورة جمهورية التشيك، وذكر أن من بين هذه المشكلات
مشكلة الفساد الإداري، والفساد السياسي، والخصخصة، وسوء استخدام المال العام
وإدارته، وتبديد أموال الاتحاد الأوروبي، وانخفاض كفاءة مؤسسات الدولة، ثم ذكر أن
الأحزاب السياسية أصحبت جزءا من المنظومة الفاسدة؛ مما أدى إلى حدوث خيبة أمل
كبيرة لدى المواطنين في النظام السياسي بشكل عام.
ولعلاج هذه المشكلات فقد ذكر
السيد لميراتك أن رقابة المواطنين ضرورية من خلال منظمات المجتمع المدني، وأن
التواصل مع الإعلام وتدريب الشرطة ضروريان لعلاج كثيرا من تلك المشكلات.
-
الأستاذة روئ غريب تحدثت في كلمتها عن "الحق في حرية تداول المعلومات"
وأنها هي الخط الفاصل بين ديموقراطية التمثيل والانتخاب، وديموقراطية التمكين
والمشاركة، مستعينة بأمثلة من التجربة الهندية والبرازيلية. وشددت أيضا على أن
القانون وحدة لا يكفي وأنه لا بد من تعزيز الحق في الحصول على المعلومات كاملة غير
منقوصة، ويكون ذلك من خلال الضغط الدائم والمتواصل من مختلف الحركات
والتجمعات والتيارات .
-
الدكتور منصور عبد الغفار قدم ملخصا وافيا لكل ما
دار من نقاشات وأبدى تحفظة واعتراضه على تسمية الندوة بأنها مناظرات، وقال بأنه
يراها مجرد مساجلات وليست مناظرات.
-
حوار مفتوح تم فيه طرح بعض الأسئلة من جمهور
الحاضرين ومن ثم الرد عليها من السادة
المحاضرين.
أعد التقرير
محمد شحاتة