1-
" أنظر، إنهم يصادرون بضائع
الباعة الجائلين، يا لبؤسهم!"
التفتُ، فلم يحمل لي المشهد أي
جديد، رأيته من قبل مئات المرات، لذا لم يكن أمامي سوى الصمت.
واصل بقوله: لقد سدوا أمامهم باب الكسب الحلال،
فما عساهم فاعلون؟!"
كان شاب وسيم، حسن الهندام، موفور
الثراء- هكذا رأيته- اختارته الأقدار ليجلس بجواري في الميكروباص، بدى أنه مرهف
الحس، يتألم لأشياء لم تعد تؤلمني من كثرة تكرارها، كنت أود لو أجبته بقولى:
" ألست من هذه المخروبة؟!" ولكنى آثرت الصمت للمرة الثانية.
مر الميكروباص بجوار سيارة النقل
التابعة للشرطة، وقد وقف عليها شرطيان يرصان ما جمعه زملائهم من بضائع، وسمعت صوتا
قادما من الخلف ينادي: " بكام الشنطة يا دفعة؟" كان الصوت لمراهق يجلس
بجوار النافذة الخلفية للميكروباص، نظر إليه الرجل الجالس بجواري نظرة استياء، ثم
حوّل نظرته ناحيتي. فهمت من نظرته أشياءً كثيرة، ربما أراد الرجل أن يتسائل: إيه
الناس دي! مفيش تعاطف! مفيش إنسانية! مفيش رحمة! وكنت أود لو أجيبه: تعاطف اتجوزت،
وإنسانية ماتت، ورحمة انتحرت! إلا أننى انتبهت فليس المقام مقام سخرية ولا مقام
استهزاء، وسمعتنى أقول له:
" سيدى: المساواة في الظلم
عدل، والعدل في بلادنا "غياب"، ولو أن الشرطة صادرت بضائع الباعة
الجائلين من كل الميادين وأوجدت لهم البديل لأحسنوا صنعا، إلا أنهم يصادرون ما
يشاءون ويتركون ما يشاءون وما ميادين رمسيس والعتبة والجيزة وغيرها من ذلك
ببعيد"
2-
قيل لي: لماذا لا تكتب عن
الإيجابيات وتترك السلبيات ولو إلى حين؟
قلت: وما هي الإيجابيات التى يُكتب
عنها في هذا البلد!
قيل: المؤتمر الاقتصادي!
قلت:عندما أرى الوعود نفذت، سأكتب
عنه!
3-
في شارع أبو الفدا، أشهر شوارع حي
الزمالك، تذكرت سؤال الإيجابيات، وتمنيت لو أجد شيئا يعيدنى إلى رشدي فيغير لى
انطباعاتي، ويبدد قناعاتي، واستبشرت خيرا برؤية شباب يمارسون رياضة التجديف في
النيل، وفرحت برجل وامرأة يتريضان جريا في الشارع، إلا إننى سرعان ما داهمتنى
أكواما لا حصر لها من القمامة اجتمع حولها الكلاب من كل نوع وشكل، ورأيت سيارات
تسير عكس الاتجاه في خرق واضح للقانون، وشعرت بزحام خانق، وسمعت ضوضاء لم تألفها
أذناي في هذا المكان من قبل. وعلى الرغم من كل ذلك وغيره فقد قررت أن أكتب عن
الإيجابيات!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق