تقل فرحتنا – نحن الكبار- بقدوم العيد، عاما بعد عام، حتى
أضحى العيد روتينا ثقيلا، تٌفتح فيه الشفاه متثاقلة لتبتسم، وتُمد فيه الأيدى
بتحفظ لتصافح، ويتمنى الواحد لو يخلد إلى نوم عميق، حتى لا يخرج من بيته، فتتثاقل
شفتاه، وتتحفظ يداه!
كان العيد في ما مضى يوما للبهجة والسرور، ولبس الجديد
وأكل الحلوى، وانظر إلى الرائع مصطفى صادق الرافعي وهو يصف يوم العيد في مقالة له
بعنوان (اجتلاء العيد) فيقول: "يوم السلام، والبشر، والضحك، والوفاء،
والإخاء، وقول الإنسان للإنسان: وأنتم بخير. يوم الثياب الجديدة على الكل؛ إشعارًا
لهم بأن الوجه الإنساني جديد في هذا اليوم. يوم الزينة التي لا يراد منها إلا
إظهار أثرها على النفس ليكون الناس جميعًا في يوم حب. يوم العيد؛ يوم تقديم الحلوى
إلى كل فم لتحلو الكلمات فيه. يوم تعم فيه الناس ألفاظ الدعاء والتهنئة مرتفعة
بقوة إلهية فوق منازعات الحياة. ذلك اليوم الذي ينظر فيه الإنسان إلى نفسه نظرة
تلمح السعادة، وإلى أهله نظرة تبصر الإعزاز، وإلى داره نظرة تدرك الجمال، وإلى
الناس نظرة ترى الصداقة. ومن كل هذه النظرات تستوي له النظرة الجميلة إلى الحياة
والعالم؛ فتبتهج نفسه بالعالم والحياة. وما أسماها نظرة تكشف للإنسان أن الكل
جماله في الكل!"
وسرعان ما يتبدل الحال، فيكبر الأطفال وتتغير نظرتهم
للعيد، وفي هذا يقول الرافعي في نفس المقالة:
" أيها الناس، انطلقوا في الدنيا انطلاق الأطفال
يوجدون حقيقتهم البريئة الضاحكة، لا كما تصنعون إذ تنطلقون انطلاق الوحش يوجد
حقيقته المفترسة. أحرار حرية نشاط الكون ينبعث كالفوضى، ولكن في أدق
النواميس. يثيرون السخط بالضجيج والحركة، فيكونون مع الناس على خلاف؛ لأنهم على
وفاق مع الطبيعة، وتحتدم بينهم المعارك، ولكن لا تتحطم فيها إلا اللعب. أما الكبار
فيصنعون المدفع الضخم من الحديد، للجسم اللين من العظم.
أيتها البهائم، اخلعي أرسانَكِ ولو يومًا.
لا يفرح أطفال الدار كفرحهم بطفل يولد؛ فهم يستقبلونه
كأنه محتاج إلى عقولهم الصغيرة. ويملؤهم الشعور بالفرح الحقيقي الكامن في سر
الخلق، لقربهم من هذا السر. كذلك تحمل السنة ثم تلد للأطفال يوم العيد؛ فيستقبلونه
كأنه محتاج إلى لهوهم الطبيعي، ويملؤهم الشعور بالفرح الحقيقي الكامن في سر العالم
لقربهم من هذا السر. فيا أسفا علينا نحن الكبار! ما أبعدنا عن سر الخلق بآثام
العمر! وما أبعدنا عن سر العالم بهذه الشهوات الكافرة
التي لا تؤمن إلا بالمادة! يا أسفا علينا
نحن الكبار! ما أبعدنا عن حقيقة الفرح! تكاد آثامنا
-والله- تجعل لنا في كل فرحة خَجْلَة.
أيتها
الرياض المنورة بأزهارها،
أيتها الطيور المغردة بألحانها،
أيتها الأشجار المصفقة بأغصانها،
أيتها النجوم المتلألئة بالنور الدائم،
أنتِ شتى؛ ولكنكِ جميعًا في هؤلاء الأطفال يوم العيد!
أيتها الطيور المغردة بألحانها،
أيتها الأشجار المصفقة بأغصانها،
أيتها النجوم المتلألئة بالنور الدائم،
أنتِ شتى؛ ولكنكِ جميعًا في هؤلاء الأطفال يوم العيد!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق