الخميس، يناير 17، 2013

الربيع العربي في برلين 97




وعندما عدت إلى القاعة وسألنى رامز أين كنت، أجبته بأنني استجبت لنداء الطبيعة وذهبت لأنام، فقال ياليتنا ذهبنا معك، فالملل كاد يقتلنا!
وانتهت اللقاءات، وظننت أن بانتهائها ستغلق أبواب المنقاشات، إلا أن نقاشا من نوع جديد بدأته مع أحمد مسعد عندما انفردت به عائدين سويا إلى البيت. قلت له وقد هممنا أن ندخل من البوابة الرئيسية لمحطة برلين:  هلا أطلعتك ياعزيزي بما حدثت به نفسى عنك اليوم؟
-        عنى أنا؟
-       

-        نعم، أتذكر عندما كنا نتناقش حول موضوع الحجاب، فطلبت الكلمة وقلت إننا نحتاح للديموقراطية وفقط، ولا يجب أن نتطرق إلى مواضيع جانبية قتلها الباحثون بحثا؟
-        أجل؟
-        ساعتها تساءلت: ما دخل موضوع الديمقراطية بموضوع الحجاب، وأحسست بأنه من الممكن أن يساء فهم كلامك، ويفسر على أنه هروب من الموضوع لضغف في  حجتنا!
-        ولكن... ألا ترى معى أن الألمان هنا وكذلك في مصر لا ينفكون يتحدثون في موضوعات بعينها، الحجاب، المرأة ،ختان البنات، اضطهاد المسيحيين، وهذه المسائل أبدا لا تشغلنا كثيرا في مصر، فقط ما نريده هو الديمقراطية!
-        أتظن أن الديمقراطية هي كل شئ؟
-        نعم، إن بالديمقراطية سيكون هناك حرية تعبير، تؤدي إلى حرية اختيار، تؤدي إلى اتخاذ القرارالسليم، فتؤدي في النهاية إلى التقدم الذي نرجوه.
-        وهل استخدمت دول الخليج هذه الديموقراطية لكي تتطور بهذا الشكل؟ أوهل نفعت الديموقراطية بلادا مثل اليونان وأسبانيا المهددتان بالإفلاس، واللتان يعش الناس فيهما في ضنك وكساد؟!
-        لماذا تنظر إلى هذه الدول فقط، لماذا لا تنظر إلى أمريكا و ألمانيا وفرنسا و البرازيل؟
-        إن في ألمانيا وأمريكا وكذلك في كل الدول الديموقراطية فسادا يشتكى منه الناس أيضا، ولم تستطع الديموقراطية أن تقضى على هذا الفساد. ألم تسمع الرجل الذي كنا نتناقش معه اليوم حول موضوع الفساد حينما أخبرنا بأن ثمة دراسة أجريت على دول في إفريقيا درس قادتها الديموقراطية في أوروبا وأمريكا ثم عادو فحكموا بلادهم بالديكتاتورية وعثوا في الأرض فسادا؟!
-        هذا عيب أشخاص وليس عيب نظام.
-        ولماذا لا يكون العيب في النظام، لماذا يكون اللوم دائما على الناس؟!
-        ولكن الديموقراطية تستطيع أن تُحَجِم الفساد، أليس كذلك؟!
وهنا وصل القطار فدخلنا فيه ولما جلسنا سألته:
-        ما رأيك في حكم عمر بن الخطاب؟
-        رائع، وقد امتاز بالعدل.
-        هل كان عمر ديموقراطيا؟
-        لا، ولكن ذاك زمن وهذا زمن آخر!
-        ألا يمكن  السير على نهجة مع تعديلات تتواكب مع العصر؟
-        لا أظن، فالعالم تغير، وكل النظريات الآن تثبت أن الديموقراطية هي أفضل السبل وأقصرها.
واتصل رامز بأحمد فانقطع الحديث، واضطررنا سويا أن نغادر القطار لننزل في محطة ألكسندر بلاتس للقاء رامز؛ فهو يود أن يأتى معنا، وسألت أحمد مرة أخرى:
-        ما رأيك في الإخوان المسلمين وفي حكمهم؟
-        إن الإخوان فاشيون، وليست لديهم أية معرفة بالديموقراطية ولا يحبونها، وأتباعهم خرفان يقدسون قاداتهم، ويكادون يعبدونهم.
-        الإخوان فاشيون!
-        أجل، وكاذبون كذلك!
-        أنت إذا إنسان خارق للعادة، كي تستطيع أن تحكم على جماعة لم يمض على تسلمها الحكم سوى ثلاثة أشهر ونصف!
-        لا، أنا لا أحكم عليهم من خلال هذه الثلاثة أشهر وفقط، بل يكفيك أن تنظر إلى سيرتهم وتاريخهم لترى بعينك، كيف هم متسلطون، ومنقادون، وإقصائيون!
-        متسلطون ومنقادون! كيف يكون المتسلط منقادا؟!
-         أنظر إليهم، يتخذ قادتهم القرارات، فينفذها التابعون بحذافيرها من دون نقاش أو جدال، ومن يناقش أو يعارض يخرج من الجماعة!
-        هل تعرف كيف تدار الجماعة؟
-        طبعا، فهي تدار من خلال مرشدها.
-        ألا تعرف أن لها مكتبا يسمى مكتب شورى الإخوان، وفيه تتخذ كل القرارات بأغلبية الأصوات، مثل تلك الأحزاب التى بها هيئات عليا لأحزابها. وهم في ذلك مثلهم مثل أي حزب من الأحزاب الأخرى،  تتخذ قرارات وينبغى على الأعضاء التابعين لها تنفيذها. كذلك الحال في حزب الوسط مثلا، يتخذ قرارات وعلى الأعضاء التنفيذ، وإلا فعليهم بالاستقالة! وهذه هي لعبة الديموقراطية يا عزيزي!

هناك 3 تعليقات:

  1. عدم الاهتمام بإثارة موضوع الحجاب أو الأقليات من جانبي لم يكن لعدم اهتمام، بل لأني أرى أولوية التركيز على أصل المشكلة، اضطهاد المسيحين وتهميش المرأة هي فروع أو عوارض، وإنما الأصل الذي يجب أن يحوز اهتمامنا هو الاستبداد كبنية تحكم حاضرنا وماضينا وطريقة تفكيرنا.. فإذا أردنا الحل وخلصت النوايا لذلك، لبدأنا الطريق من أوله بترسيخ مبادئ الديمقراطية والحرية والمساواة والعدالة، وعدم تضخيم أمور كالحجاب وغيره قد تشغلنا عن تحقيق أهدافنا، وكأن الثورات قد قامت لتلبس النساء الحجاب أو تنزعه عنهم! لاسيما وأن هذه المبادئ السامية والقيم العليا لازلنا مختلفين فيها، ومازال منا من يرى أن الديمقراطية مثلاً درب من الرفاهية، بعد كل ما عانيناه وما شهده تاريخنا!! تحياتي.

    أحمد مسعد

    ردحذف
    الردود
    1. ولكن... أليس لكل مقام مقال. ولكل حادث حديث، ولكل صنعة صانع، فهل إذاما كان الموضوع قد حدد مبدأيا عن المرأة وعن حقوقها، وتتطرق النقاش فيه إلى الحجاب، فهل من رأيك أن يقطع الإنسان هذا الحديث ليدخل في حديث غيره! هذا شق، أما الشق الثاني فأنا أتفق معك في أننا لا بد وأن ننشغل بالأهم عن المهم، وبالضروري الملح عن الثانوي الذي يمكن الانتظار عليه. إنني أتفق معك في أننا وكذلك الكثيرون غيرنا انشغلوا بسفاسف الأمور التى ضخمها الإعلام وأثارتها النخب!
      وأما عن الشق الثالث، فهو أني ما كتبت الحديث الذي دار بيننا سوى أننى وجدته مهما لا يمكن تجاهله، فنحن جميعا نتعلم من بعضنا البعض، ونحتاج إلي بعضنا البعض، حتى ولو اختلفت الرؤى وتعددت الأراء وتنوعت الأفكار، وصدق الله تعالى حينما قال " ولا يجرمنكم شنئان قوم ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى" أرجو ألا أكون قد حدت عن الطريق، أو تأولت عليك شيئا لم تقله!
      تحياتي!

      حذف
  2. موضوع النقاش كان عن "القيم المسيحية وعلاقة الدين بالدولة"، وكانت مداخلتي بخصوص مفهوم الدولة الدينية والعلمانية حيث أثير السؤال: كيف أن ألمانيا دولة ترفع لواء العلمانية ثم هي تمنع توظيف المدرسات اللاتي يرتدين الحجاب؟، أما عن الوضع في مصر فقلت أن ما يشغلنا الآن هو ترسيخ قيم الديمقراطية والحرية وأننا يجب أن ننطلق في ذلك من قيم دينية، لأن الإسلام ليست لديه مشكلة مع الدولة المدنية بل ويدعو للفصل بين ما هو دعوي وما هو حزبي، على عكس الحال مع المسيحية التي تغولت على الدولة في العصور الوسطى.

    تهميش المرأة واضطهاد الطبقات المتوسطة والفقيرة، بمسلميها ومسيحيها، في شمالها وجنوبها، ليست من سفاسف الأمور وليست هي قضايا ثانوية، وإنما هي عوارض لأصل المرض الذي هو الاستبداد، فمن يبحث عن الحل، يجب أن يعالج المرض من جذوره، لا أن يتعامل مع كل مشكلة على حدة منزوعة من سياقها!

    أما عن الحوار، فقد اسمتعت به جدًا. لك أسلوب رائع يا محمد في السرد أحييك عليه، وأنا ما علقتش إلا لإثراء النقاش.. استمر يا رجل :)

    أحمد مسعد

    ردحذف