الخميس، يناير 31، 2013

مرسي وغزوة برلين!


لا شك عندى عزيزى القارئ من أنك تعرف تمام المعرفة بأن زيارة مرسي لبرلين كانت تمتلك جميع مقومات التأجيل، فأحداث العنف التى سبقتها في مدن كثيرة في مصر وخصوصا مدن القناة، والاحتقان السياسي الذي تمر به البلاد هذه الأيام، والهياج الإعلامي الذي صور للعالم بأن مرسى يكره اليهود وأن الاخوان هم العدو الأول والأوحد للغرب وخصوصا الأوروبيين منهم، ومن قبل ذلك ومن بعده أنهم هم العدو الأساسي لنهضة مصر، وأنهم أبدا لا يعرفون الديموقراطية ولا يريدونها، كل ذلك وغيره كان جديرا بعدم إتمام هذه الزيارة.

لا شك عندي كذلك من أن الجميع وعلى رأسهم وسائل الإعلام الغير حيادية أصابتها الحيرة الشديدة في معرفة إذا ما كانت هذه الزيارة ستكتب لها أن تتم، أم أن مصيرها سيكون التأجيل أو الإلغاء، وأحسبهم تمنوا لها الإلغاء. الأمر الذي أربك معه أيضا كثير من أعضاء الجالية المصرية والعربية في برلين، وخاصة من الأقباط المصريين، وكذلك منظمات يسارية ألمانية وأخرى للدفاع عن حقوق الإنسان، التى كانت تُعدّ صفوفها للتظاهر ضد قبول ألمانيا لهذه الزيارة، إلا أن اضطراب مواعيد الزيارة وتغيير برنامجها عدة مرات، إضافة إلى سوء الأحول الجوية أدّي إلى الاكتفاء بالتظاهر الشكلى في مدن ألمانية مختلفة وعلى رأسها التى حدثت في برلين بالقرب من مبنى البرلمان الألماني ومقر الحكم.

ولو سمحت لى عزيزي القارئ أن أعرض رؤيتى لهذه الزيارة التى وصفتها في عنوان هذا المقال بأنها غزوة فسأقول: إننى أرى أن إصرار مرسي على زيارة ألمانيا في هذا التوقيت الكئيب هو ذكاء سياسي وحنكة سياسية، وفهم لطبيعة الدول وأهميتها، أقول هذا على الرغم من اختلافي مع مرسي في كثير من سياسته، وأرى أن إلغاء زيارته لفرنسا ذكاءً سياسيا وشجاعة لا مثيل لها، ولم ولن يتحدث عن ذلك أولئك المتعصبون الأعمياء.

نعم إصراره على إتمام زيارة برلين ذكاء سياسي، وأيضا إلغائه لزيارة باريس شجاعة سياسية، فزيارة مرسي لألمانيا ليست كما صورتها الصحف الألمانية والمصرية من أنها كانت زيارة تسولية استجدائية. كلا، فلو كان الأمر كذلك لكان الأولى منه أن يستجدي من دول الخليج وعلى رأسها السعودية، ولكان كرر زيارته للصين و تركيا أو حتى لذهب إلى البرازيل. وألمانيا لا تعطي أموالا بهذه السهولة التى يتصورها أولئك السذج من الناس، فلتنظر إلى اليونان العضو في الاتحاد الأوروبي، والذي يمر بأزمة اقتصادية احتار في  حلها حاملى أعلى الشهادات وأذكى العقول، وشيبتها ألمانيا حتى تعطيها أموالا.

ألمانيا بلد ديموقراطي يفهم الديموقراطية فهما- إن صح التعبير- سليما، وتطبقها؛ فهي تعطي أموالا لأحد إلا بعد أن يمر هذا الأمر على البرلمان الألماني، وبعد أن تقتله الصحف الألمانية والخبراء الألمان بحثا ثم بعد ذلك يصوت عليه البرلمان بالإيجاب!

 لذا فزيارة مرسي لألمانيا كانت زيارة أقرب للسياسية منها للاقتصادية، لاسيما وأنه قد سبق هذه الزيارة زيارات كثيرة لكبار الاخوان وعلى رأسهم الكتاتني.( قابت منهم عددا في زيارتى للبرلمان الألماني في شهر سبتمر من العام الماضي)، وزيارة مرسي لألمانيا تعنى اعتراف ألمانيا بالاخوان، وتعنى أيضا اعتراف أوروبا بالحكم في مصر، فألمانيا- كأكبر دول الاتحاد الأوربي- دولة متحفظة كثيرا في علاقتها الخارجية. وتتردد كثيرا في عقد صداقات أو قبول زيارات من هنا أو هناك من دون دراسة ومن دون تفحيص. ولولا أن ألمانيا قد رأت من خلال مخابراتها وكذلك سفارتها في مصر من أن قبضة الحكم قد بدأ الاخوان إحكامها لما سمحت بهذه الزيارة، وانظر لما قاله وزير خارجيتها بالأمس، حينما وصف التعاون الحالي مع مصر بأنه مهم جدا لأن مصر بيدها حلولا كثيرة لمسائل هامة ومعقدة، وأنه يجب مساعدة مصر في هذه الظروف، وشدد على أنه لن تنجح التحولات في المنطقة إلا إذا نجحت في مصر.

 أما عن إلغاء زيارته لفرنسا فهي أشد وطئا من قبول زيارة ألمانيا، ولا أقل من أن يوصف هذا القرار بأنه قرار شجاع، فما كان لمبارك أن يقدم على مثل هذا القرار إطلاقا. ثم ألم يكن لك يا عزيزي القارئ أن تتسأل مثلى أليست فرنسا أيضا دولة غنية يمكننا أن نتسول منها كذلك؟!

أرى أن إلغاء مرسي لزيارة فرنسا جاء ردا على تدخل فرنسا السافر في مالى ومهاجمة الاسلاميين هنا، ولو ذهب مرسى لباريس في هذا الوقت لقوبل بهجوم عنيف من مؤيده وكذلك من معارضية.

والله المستعان

محمد شحاتة

هناك 4 تعليقات:

  1. طيب اصدقك ولا اصدق دير شبيجل اللي قالت ان مرسي جاي يتسول لكنه حصل بدلا من ذلك على شوية نصايح في كيفية ادارة بلده:
    Mursi hatte sich von der Bundesregierung einen Schuldenerlass in Millionenhöhe erhofft. Der Geldsegen fiel aus, Ermahnungen gab es gratis.

    http://www.spiegel.de/politik/ausland/mursi-bekommt-beim-besuch-bei-merkel-gute-ratschlaege-a-880531.html

    اما عن رحلته إلى فرنسا فوضعت على جدوله (بعد قضية مالي!) وبيان الرياسة قال انها اتلغت بسبب الوضع الداخلي وتم تقصير مدة زيارة برلين لنفس السبب!!

    أحمد مسعد

    ردحذف
  2. يا عزيزي لا أطلب منك تصديقى، وأنت حر في تصديق مجلة دير شبيجل، التى لا يصدقها الألمان أنفسهم!! كل ما أطلبه منك هو إعمال بعض العقل وأن تقوم أنت بتصديق نفسك!
    ثم...
    لقد حاولت عند كتابة هذا المقال فقط إعمال عقلى، بعد أن فرغت منه التعصب، وبعد أن ملأته بقراءة كل ما دار حول هذه الزيارة من معلومات، موضوعية وغير موضوعية، وإذا كان الصواب من نصيبي فلى أجران وإذا كان الخطأ والإخفاق من نصيبي فلي أجر واحد... المهم أني اجتهدت...
    كما...
    أشكرك من قلبي يا عزيزي أحمد على تعليقك، وأحترم فيك رأيك وأقدره...

    ردحذف
  3. أتفق معك صديقي في مقالتك التي تتسم هي أيضاً بالحنكة السياسية
    محمود عبدالله

    ردحذف
  4. مروركم الكريم على مدوتنى شرف حقيقي يا دكتور، وإطرائكم على ما فيها من مقالات فهو وسام سأظل أفتخر به أبدا ما حييت!

    ردحذف