الاثنين، يناير 14، 2013

تناقضات!



تنويه 1: عزيزي القارئ أرجو ألا يغضبك ما ستقرأه، فقد تشعر فيه أنك أنت من أقصده، أو ترى أنه يصف عزيزا أو حبيبا أو صديقا أو قريبا لديك ممن ينطبق عليه ما ستقرأ.
تنويه 2: الأطفال أقل من 25 عاما، والكبار المتعصبون ممنوعون من قراءة هذا المقال!

تناقضات
أبى العام الماضي أن ينصرم من دون أن يترك لي قضية أظل في تفكير دائم لأعرف لها سببا أو أجد لها منطقا. فقد قدر لى وقت الاستفتاء على الدستور أن أصطحب صحفيا ألمانيا يعمل في جريدة ألمانية مشهورة، وقد حاولنا سويا أن نستطلع جميع الآراء والاتجاهات على الساحة السياسة المصرية، فالتقينا بأساتذة جامعيين، وبأعضاء من جماعة الإخوان المسلمين، ومن السلفيين، و الجهاديين، والجمعية الشرعية، ومن الأقباط، وممن هم ضد مرسى وجماعته، وممن هم مع مرسى وجماعته، وممن هم لا معى مرسى ولا ضده ولكنهم مع الاستقرار المنشود. إلا أن أغرب من قابلناهم كان ذلك المحامي الذي يسكن في الطابق الخامس في عمارة تطل مباشرة على ميدان التحرير.
 أخبرنا ذلك الرجل الذي يقف على أعتاب عقده السادس أنه شاهد كل أحداث الثورة منذ بدايتها وحتى الآن، وأنه أبدا ما رحب بتلك الثورة التى ما برح أن يصفها بثورة الخراب والدمار، وأنه كفى بتلك الثورة إثما أن أتت بالإسلاميين والإرهابيين للحكم. وعلى الرغم من أنه كان يساعد المعتصمين في الميدان أثناء الثورة؛ إلا أنه ما فعل ذلك إلا من قبيل الدوافع الإنسانية. ولما سألناه عن أسعد اللحظات التى عاشها منذ الثورة، أجاب بأنها تلك اللحظات التى كان يرى فيها الجيش وهو يسحل المتظاهرين ويحرق خيامهم!
كل ما مضى أراه شيئا عاديا، وأسمعه كثيرا من أعداء الثورة وكارهيها، أما الأمر الذي لم أجد له تفسيرا هو إجابته على سؤالنا عن رأيه في الاعتصام الذي ينظمه معارضي الدستور والرئيس! وهو السؤال الذي لم يتردد لحظة في الإجابة عليه بأنه معه ويدعمه بكل ما أوتى من قوة حتى لو استمر لعشر سنوات ولو أدى بمصر إلى الإفلاس! وهنا بادرناه بقولنا، أو ليس في ذلك تناقضا!
**********

وفي كل مكان يا عزيزي "الغير متعصب" على أرض مصر ستشعر فيه مثلى بتناقض لا مثيل له، قد تكون أنت متناقضا مع نفسك، مع أفكارك، مع أهلك، مع مجتمعك. قد تكون أيضا مقتنعا بالفكرة وضدها في نفس الوقت، وقد تريد التغيير وأنت ذاتك متشبث بفعل القديم، وقد تكون أنت حجر العثرة في طريق التطوير!
 قد ترى في شوارع القاهرة تناقضا في كل شئ في البيوت مثلا؛ فنهاك القديم جدا بجوار الحديث جدا، وهناك القصور بالقرب من القبور، والمجتمعات الجديدة بجوار العشوائية الشريدة، وهناك الزحام بالقرب من الهدوء، والآثار العتيقة بالقرب من المولات الكبيرة. أو مثلا في السيارات؛ تجد سيارات الفولكس فاجن القديمة المتهالكة تتسابق مع سيارات المرسيدس أحدث موديل، أو في الزوق مثلا، تجد محلا أطلق العنان للراديو ليصدح بأغاني من الزمن القدم، وبجواره محلا ينافسه في سماع الجديد، وثالث يستمع في خشوع للقرآن الكريم ... ثم ...  قد يكون غيرك هم كذلك، وانظر معى فيما سيأتى:- 
أرأيت ذلك الرجل الليبرالي الذي ينادي ليل نهار بالديموقراطية، والحرية، وإبعاد الدين عن السياسة، وهو نفسه الذي عندما أتت الديموقراطية بمن لا يريدهم، كفر بها، واختلق الأكاذيب، وافتعل المشكلات. وهو نفسه الذي ما دافع أبدا عن الحرية إلا إذا كانت لمن هم على شاكلته، أومن هم على هواه، فإذا حُكم بالسجن على شيخ، أو أُغقلت قناة دينية رأيته وقد دخل في بيات شتوي طويل مثل أولئك الزواحف ساكنة القطب الشمالى. وهو نفسه إذا أراد خوض الانتخابات أو أراد التقرب للشعب، لا يجد أي غضاضه في أن يتمسح بالدين، فتجده يذهب ليصلى، وتجده يعلق اللافتات لتهنئة المسلمين إن كان مسيحيا، أويذهب لحضور قداس المسيحين إن كان مسلما! أليس في ذلك تناقضا؟!
أرأيت تلك الأحزاب التى تسمي نفسها بالأحزاب الديموقراطية والمدنية، الذين ما برحوا يوما من تصديع رؤوسنا عن الكلام عن الديموقراطية، وعن حرية الشعب في الاختيار، ثم تجدهم يعينون نوابهم، وأعضائهم في مراكز حساسة في حزبهم من دون أي التفات إلى صندوق، ومن دون أي انتباه إلى حرية! أليس في ذلك تناقضا؟!
ألا ترى معى أنه من التناقض أن ينادي ذلك الشاب وتلك الفتاة باتخاذ قرارات ثورية ضد الفساد المتمثل في شخص النائب العام، ثم عندما تتم إقالته بتلك الطريق التى نادوا بها، يخرجان سويا فتصدح حناجرهم باحترام االقضاء، والاحتكام إلى القانون. أليس في ذلك تناقضا؟!
أرأيت مثلى أصحاب اللحى الطويلة والجلاليب القصيرة وهم يحرمون الانتخابات، ويحرمون التصوير، فإذا ما أحسوا باقتراب فرصتهم أباحوا الانتخابات، وأجازوا التصوير، وأحضروا الأحاديث وتأويلاتها التى تدلل على صدق ما يقولون. أليس في ذلك تناقضا؟!
أرأيت مثلى ذلك الشاب الذي ما انفتأ ينادي في كل وقت باحترام المرور، واتباع تعليماته، والسير على قواعده، هو نفسه الذي إذا ما وجد الفرصة لكسر إشارة، أو للسير عكس الاتجاه، أو للوقوف في الممنوع لا يتردد للحظة في فعل عكس ما يقول. أليس في ذلك تناقضا؟!
أرأيت مثلى تلك الفتاة التى قالت لأصحابها يوما لا تلقوا بمخلفاتكم في الشوارع، وظلت تتأفف من تلك الأكوام المزينة بها قوارع الطرق، وتصب كل لعناتها على الحكومة، وجم غضبها على البلد، وكافة احتقارها على الشعب، ثم تجدها لا ترى أى غضاضة في أن تفعل مثل ما يفعله الآخرون. أليس في ذلك تناقضا؟!
وما رأيك في صاحبي الذي إذا ما إن جلست معه لساعة أسمعك من محاسن الأخلاق وأتحفك بقصص العظماء مايكفيك لتملأ به اسطوانات، وتنسخ منه مجلدات، ثم تراه لا يريدك أن تزيع خبرا فيه نفع للآخرين حتى يمكنه أن يستفيد هو منه أولا! أليس في ذلك تناقضا؟!
*************
أليس من التناقض أن تتحدث معظم أغانينا -إن لم تكن كلها- عن الحب والحبيب والمحبوب والحبايب والأحبة، ثم تصل نسبة الطلاق إلى أرقام قياسية لم تصل إليها تلك الدول التى لا تأبه بالزواج ولا تقدسه! ألسنا شعبا متناقض؟!
أليس من التناقض أن يأمر الأستاذ تلاميذه بالتزام المواعيد، ويأتى متأخرا! وأن يطلب الأب من أبنائه عدم الكذب، ويكذب، وأن تطالب المرأة بالمساواة ولا تفعل ذلك مع أبنائها فتفضل الأبناء على البنات؟! 
أليس من التناقض أن تنادي الحكومات بالتقشف، ثم تنفق أموالنا فيما لا يفيد، وفيما لا يجدي! وينادي الرئيس بالاقتصاد في النفقات ولا يبالى عندما تنفق على حراسته أموالا لا حصر لها؟!
أليس من التناقض أن توجد على أرضنا أرقاما قياسية من المساجد، حتى أن القاهرة قد عدت ذات يوم بمدينة الألف مأذنة، وترى أناسا يسرقون، ويكذبون، ويرتشون، وينافقون، ويداهنون، ويخادعون؟!
أليس من التناقض أن تنحصر أحاديث الفضائيات والقنوات الحكومية والخاصة عن القاهرة ومحيطها والأسكندرية وكورنيشها تاركة أحوال أربعة آلاف قرية ربعهم تحت خط الفقر؟ أليس من التناقض أن نعيش فقراء ونحن نملك مقومات يموت المرء ولا يحصرها؟! 
وحتى لا أدخل تحت طائلة التناقض، فلن أكتفي بالولولة والعوعلة "من العويل" مثل أولئك الذين تعرفهم، وسأحاول أن أقدم حلولا مبدئية يمكنك بتخليك عن المزيد من العصبية- ولا أنسى أن أشكرك على تحملك رزالتى وثقل دمي- أن تتقبلها وأن تبنى عليها، وأن تحاول معى التفكير في حلول غيرها:-
الحل الأول: 
لست من أنصار " إبدأ بنفسك" فأنا على يقين من أن أحدا أبدا لن يبدأ بنفسه وسط  ذلك الهياج من الفساد، والحرية من أي قيود، والعبث من دون عقوبة أو رادع، فأنا مع العقوبة أولا، ثم ثانيا، ثم ثالثا!
الحل الرابع:
التعليم، فبه يمكن معرفة المتناقضات، والتمييز بينها ، ومحاربتها، ومن ثم التغلب عليها.
الحل الخامس:
التربية، فبترسيخ القيم والعادات النافعة مع التقاليد المناسبة يحمى الشعب نفسه من تغلغل تلك التناقضات، ويحمي المجتمع أبناؤه من الوقوع فيها.
الحل السادس:
سأتركه لك كي تعقب به على هذه المقالة إن أعجبتك ،وإن أحسست أنها تعبر عما تريد أن تقوله، أو شعرت بأنها حققت لك ما أردت البوح به يوما!
  
محمد شحاتة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق