الثلاثاء، يونيو 09، 2015

ملخص كتاب: تراثنا الفكري في ميزان الشرع والعقل




محمد يسري يكتب ملخصا لكتاب "تراثنا الفكري في ميزان الشرع والعقل" للشيخ محمد الغزالي



يعد هذا الكتاب أحد الأبحاث القيمة التي كتبها الشيخ محمد الغزالي  (1416- 1996) رحمه الله، وهو على حد قوله قد كتبه في مدة قاربت على الستة أشهر أو يزيد.
والسبب في اختياري لهذا العنوان من مجمل العناوين الكثيرة للشيخ هو ما أراه هذه الأيام من كثرة الكلام في التراث، سواء أكان من أولئك الذين يهاجمون التراث الإسلامي ويدعون أنه خرافة من الخرافات، أو من أولئك المتعصبون للتراث المقلدون لأهله. والشيخ رحمه الله سلك مسالك مختلفة وعديدة في بحثه، حيث أنه قسم بحثه إلى عشرة أقسام أو فصول، وتعمد أن يبدأ الكتاب منذ بدأ الخليقة، أي منذ خلق آدم عليه السلام وحتي القرن الخامس عشر.
وفي البداية تحدث الشيخ عن معرفة الإسلام، أي أن الإسلام دين المعرفة، وبين أن الملائكة ما سجدو لآدم، وما فضل الله آدم عليهم إلا بالعلم، وأعطى شيخنا لفتة جميلة إلى تفسير الأسماء في قوله تعالي (وعلم آدم الأسماء كلها) أي العلوم التي وضعها الله تعالي لسير الحياة على الأرض من علوم الطب والهندسة والصناعة والزراعة؛ فالله خلق بني آدم وأودع لهم أشياءً في الأرض بها يعيشون قال تعالي ( ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون)، فيجب على بني آدم أن يقدروا هذه النعمة وأنا يقدروا هذا التفضيل الذي فضل به أبيهم على الملائكه،  فيجب عليهم كذلك أن ينهضوا في كل العلوم المختلفة.
ويستنكر الشيخ حال المسلمين وخاصة العرب منهم في تأخرهم في كل شئ واعتمادهم الكلي على الغرب، مع أنهم أحق بأن يعمروا في هذه الأرض أكثر من غيرهم؛ فالله جعل كل ما في الأرض لهم وخصصا لهم كي يعيشوا فيها، قال تعالى: (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور)
فالمسلمون خاصة يجب عليهم أن يتنحوا عن هذا الكسل الذي يحيط بهم من كل مكان والذي هم فيه منذ ملايين السنين .
ثم يبين الشيخ تحت عنصر آخر ما كان عليه خاتم الأنبياء والمرسلين والتربية التي رباها النبي لأصحابه الكرام؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم ربي أصحابة على العلم والمعرفة، وأنهم ليسوا وحدهم في هذه الأرض، فلا ينبغي أن ينشغلون بشؤونهم فقط، ولا ينسون أنهم شهداء على الناس، فهذه التربية التي رباها محمد لأصحابه إنما هي التي رباها له ربه، و في هذا قال الشيخ ( إن الله ربَي محمد ليربي به العرب، وربي العرب بمحمد  ليربي بهم الناس كافة)
ثم يتناول الشيخ بعض الصور القبيحة التي تسيئ للإسلام والمسلمين، والتي يعرضها من يتكلمون باسم الدين عرضا ساقطا يجعل من الدين مكانة رديئة وسط كل الديانات، ورفعت باقي الأديان فوق هذا الدين، وجعلت من المتدينين أشخاصا لا يعلمون سوى الطريق إلى المسجد وكفي!! وأنهم لايعرفون سوى الفقر والذل والإهانة من غيرهم ممن ينتسبون إلى الديانات الأخرى، هذا تحت عنوان ( توضيح الصور)، ووضح لنا فضيلته شوطا كبيرا من هذه الصور الساقطه ومن أبرزها:  بعضا من تفسيرات ابن عربي التي وصفها الشيخ ووصف صاحبها بالعبث والكذب وحذر منها أشد الحذر. على سبيل المثال قول بن عربي على فرعون أنه مات تائبا مسلما لله طاهرا، وهنا يعلق الشيخ بقوله: "هذا كلام رجل لم يقرأ قوله تعالى: ( يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود)
ثم يتسائل الشيخ: هل فرعون يقدم قومه إلى خازن النار، ثم يعود ليدخل الجنة ؟! وغيرها من النظرات الساقطة لابن العربي وغيره التي ما صنعت الشئ إلا خزيا للإسلام، وفرحت أعداء الإسلام في أهله ! وللأسف الشديد .
ثم يتبع الشيخ هذا الكلام مباشرة بعنوان لفصل بأكمله وسماه (أثر الدعاة على الدعوة) وأضح فيه بداية أن الدعاة إلى الله بمثابة العمود الفقري للدعوة؛ فبهم يسير كل شئ حسنا كان أم قبيحا، وبهم تنهض الدعوة، وبهم ترقد وللأسف الشديد صعد الأن في عصرنا على منبر رسول الله أشخاصا لايفقهون شيئا سوى رفع الاصوات، وحذاقة في الكلام، ولا يدرون ما يقولون ولا يفعلون ما يعلمون ويقول شيخنا (إنه في عصرنا الآن غلمانا سفهاء يحملون علما مغشوشا أو جهلا مركبا)
ثم ذكر أمثله  كثيرة للقضايا التي يتمسك فيها بعض الدعاة ويثيرونها على المنابر، والتي تكاد تجعل بعض من يسمعها يتمنى أن لو اعتنق دينا آخر غير الإسلام .
مثل قضايا المرأة ومكانتها في المجتمع، ومالها من حقوق محفوظه في ديننا، ومثل الجهاد والحروب في الإسلام، وأن الإسلام جاء بالسيف وغيرها ...
ثم يتابع الشيخ حديثه عن البدعة، وعن الضوابط التي نحترز بها من البدع ويقول: إن الخوف هو تحويل الصورة التي يقوم بها أي انسان إلي قانون عام يحمد فاعله ويذم تاركه، وكأنما هو وحي من عند الله .
ولقد سأل الشيخ ذات مرة عن قراءة القرآن مع جماعه بصوت مرتفع بين المغرب والعشاء فقال: (لا آمر به ولا أنهي عنه والأحب الي أن أقرأ وحدي، وليس لمن يفعلها أن يشد الناس إليها أو يلوم من لم يفعلها).
ويستأنف الشيخ حديثه في فصل منفرد عن التاريخ الاسلامي، ويؤكد على ضرورة إعادة هيكلة التاريخ أو إعادة صياغته حتى القرن الخامس عشر لأن هناك مآخذ كثيره على المسرود لنا من التاريخ . وقد اقترح الشيخ انشاء لجنة مخصصة لذلك من علماء ثقات هم من يقومون بهذا العمل الشاق .
ثم على هامش التفسير أوضح الشيخ بطريقة مجملة أنواع التفسيرات بأكملها، وأكد كثيرا على أهمية التفسير البياني والتفسير البلاغي للقرآن. ثم يرى الشيخ أن من أهم التفسيرات للقرآن هو التفسير الموضوعي وذكر رائد التفسير الموضوعي في عصره فضيلة الشخ محمد عبده وذكر ماله من أعمال عظيمة في التفسير الموضوعي للقرآن الكريم.
بعد ذلك نبه الشيخ على ضرورة المقارنه بين التفسير الموضعي والتفسير الموضوعي؛ فالتفسير الموضعي لابد منه قبل البدء بالتفسير الموضوعي، فانه فهم جيد لسياق الآيه التي تتناول قضيه واحدة.
والتفسير الموضوعي يطلق على نوعين ﺟﺪﻳﺪﻳﻦ ﻣﻦ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺍﻟﻌﺰﻳﺰ، ﺃﻭﻟﻬﻤﺎ: ﺗﺘﺒﻊ ﻗﻀﻴﺔ ﻣﺎ ﻓﻰ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻛﻠﻪ٬ ﻭﺷﺮﺣﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺿﻮء ﺍﻟﻮﺣﻰ ﺍﻟﻨﺎﺯﻝ خلال ﺭﺑﻊ ﻗﺮﻥ ﺗﻘﺮﻳﺒا، والثاني: النظر المتغلغل في السورة الواحدة لمعرفة المحور الذي تدور حوله، والخيوط الخفية التي تجعل أولها تمهيدا لآخرها.
ثم يبين الشيخ مدى أهمية الاجتهاد في كل عصر من العصور، أو زمن من الأزمان لمن هم أهل للجتهاد وليس لأي إنسان يظن نفسه أهلا له، وركز على أننا  لابد أن نحترم أي رأي في اجتهاده، ويجب أن ننظر في كل الاآراء حتيى الآراء المخالفة للأئمة الأربعة، فقد نحتاج فعلا لها بعد وقت.
وذلك كما حدث مع شيخ الإسلام ابن تيمية لما خالف رأي الإجماع عارضه الكل في زمنه لكن بعد ذلك نظرنا في أقوال ابن تيميه فوجدناها أقرب للصواب على الرغم من مخالفتها للإجماع. ثم أورد الشيخ أرآء كثيرة للعلماء المعاصرين في مسألة الاجتهاد الفردي أو الجماعي (والجماعي محبب للشيخ الغزالي) كالدكتور يوسف القرضاوي والشيخ شلتوت وغيرهم......
وينتقل الشيخ في فصله قبل الأخير إلى حديثه عن سنة النبي (ص) والتعامل معها :
الشيخ رحمه الله من اهتمامه بهذه النقطة قد ألف فيها أيضا كتابا كاملا لها سماه: السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث  كتاب جمع فيه تفصيلا كل القضايا التي قد تطرح على استخدام السنة  في التشريع  وهكذا !
وبدأ الشيخ هنا بذكر أهمية الكتب الستة التي نحن نرجع إليها في علم الحديث وأثنى عليها بكل خير وأثنى على رجالها  - البخاري ومسلم وبن ماجه والنسائي والترمذي ثم ذكر نهج كل واحد منهم في انتقاء الأحاديث .
ثم بين الشيخ أن هؤلاء بأعمالهم الباهظه لا ينبغي أبدا أن نقدسهم وأن نعتبر كل ماورد في كتبهم تشريعا كالقرىن الكريم، بل هناك المنكر الشاذ في أعمالهم .
وبدأ الشيخ في حديثه عن أننا لابد أن نجزم أن في السنة  ماهو ظني الثبوت وظني الدلالة، والظني من جهة الثبوت والدلاله لا يمكن لاحد أن يكفر منكره، وهذا ما جعل الشيخ يتطرق في حديثه عن استخدام الحديث الاحاد في التشريعات ؟؟ وذكر الشيخ أقوالا عديده في ذلك لكثير من العلماء ... من أبرز هذه الاقوال مقولة شيخ الأزهر الشيخ محمود شلتوت عليه رحمة الله عندما قال ﻓﻰ ﻛﺘﺎﺑﻪ: "ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻋﻘﻴﺪﺓ  ﻭﺷﺮﻳﻌﺔ " فصلا شرح فيه الفرق بين الظن واليقين في المعرفة الدينية جاء فيه ما يلى:
إذا كانت العقيدة لا تثبت الا بنص قطعي في وروده ودلالته، كان لابد من تبيين المبادئ التى تقوم عليها قطعية السنة او ظنيتها ما يجب التنبه له في هذا المقام، وأن الظنية تلحق السنة من جهتى الورود والدلالة، فقد يكون في اتصال الحديث برسول الله صلى الله عليه وسلم شبهة فيكون ظنى الورود، وقد يلابس دلالته احتمال فيكون ظنى الدلالة وقد يجتمع فيه الأمران فيكون ظنيا وروده ودلالته.

وفي الفصل الأخير بين الشيخ أهمية اللغه العربيه بالنسبة للعرب والمسلمين، وأن العرب لما تخلو عن لغتهم وعن تراثهم أصابهم الخزي والإهانة، وقد شدد الشيخ على ضرورة تدريس اللغة العربية في مدارس الغرب حتى يتلى القرآن كما انزل على خاتم الأنبياء .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق