الأربعاء، سبتمبر 11، 2013

للتأمل!





"..... وأخذ الملك يستشير الأطباء فلا يجد عندهم دواء، ويستعين الكهان فلا يلقى عندهم عونا، ويسأل العرافين فلا يظفر منهم بجواب مريح. وما زال فيما هو فيه من استشارة واستعانة وسؤال، حتى أدخل عليه رجل حكيم من أقاصي اليمن. وقص عليه ما يأتى من الأمر، وصور له الملك ما يلقى من الشر، وألح عليه الملك في أن يجد له من هذا الضيق مخرجا ومن هذا الأذى شفاء. وأطرق الرجل الحكيم غير قليل، ثم قال في صوت حازم وقد ظهرت على وجهه صرامة الجد والبأس: أيها الملك، لأنبئنك بالحق وإن كان من دونه الموت، فما تعودت كذبا ولا مينا. إنه والله ما قتل رجل أخاه، ولا غمس رجل يده في دم ذي رحم إلا سلط عليه الحزن والغم، ووكل به الفرق والأرق حتى يقضى. قال الملك : انصرف راشدا فلا بأس عليك! إنما السبيل على هؤلاء الذين كادوا الكيد، ومكروا مكرهم السيئ بي وبحسان (أخوه الذي قلته طمعا في الملك) ثم أمعن في خاصته ومشيرته قتلا وتمثيلا حتى انتهى إلى آخرهم (واسمه) ذي رعين. فلما قدم هذا القتيل للقتل قال للمك: إن لى عندك براءة. قال الملك: وما ذلك؟ قال ذو رعين: ذلك الكتاب المختوم الذي دفعته إليك. وأخرج الملك الكتاب وقرأ فيه هذين البيتين:

 ألا من يشترى سهرا بنوم      سعيد من يبيت قرير عين
فإما حميرٌ غدرت وخانت       فمعذرة الإله  لذي  رعين 

قال الملك: لا بأس عليك! فقد نصحت وبررت وبرئت ذمتك. فليتنى قبلت نصحك واستمعت لدعائك! قال ذو رعين: وليت أخاك قبل نصح الحَبرين.

وأصبح القصر ذات يوم فإذا عمرو (الملك) ملقى على الأرض مضرجا بدمائه، قد أغمد في صدره ذلك النصل الذي أغمده في صدر أخيه... هناك تفرق أمر حمير وانتقض سلطانها، وعادت إلى شر ما عرفت في قديم الزمان من الفساد والاضطراب."

(من كتاب على هامش السيرة، الجزء الأول، طة حسين)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق